أخبار السودان :
في العام 2015 زرت الاتحاد الاوروبي وكنت برفقة عدد من قيادات القوى السياسية من بينهم د.مريم الصادق المهدي ، وعطفاً على أن الهدف الوحيد للزيارة هو التعريف بالاتحاد الاوروبي إلا أن ثمة نقاشات حامية الوطيس دارت بين الوفد السوداني وقيادات الاتحاد ركزت على الأوضاع في السودان ومستقبل العملية السياسية في بلد تشعبت فيها الأزمات وتأقلمت وتدولت.
وقتها أعرف د.مريم كقيادية بحزب الأمة وأستمع لها وأرصد ما تقول في المؤتمرات الصحافية ، وأجري معها المقابلات الشخصية وغيرها من الاعمال الصحفية التي قد لا تجعلك تتلمس مقدرات ومؤهلات الشخص، وفي الغالب تكتفي باجاباته ازاء القضية المحددة.
بالأمس استوقفتني حالة الهياج والهجوم الفظ والعاري الذي انتاش وزيرة الخارجية لاستخدامها مفردة في غير موقعها ، وكأننا في عهد الكندي وبن المبرد نتبارى حول بلاغة الكناية ولا ندري إن كان لكل مقام مقال فلكل مقام موقف أيضاً ، فالمنصورة بالتأكيد لم تكن تقصد دعوة الجيران لا ستعمار أراضي البلاد بل هي تسرعت في تقديري في ابراز مقترح حل لقضايا النزاع الحدودي ، ومن قبل دار جدل بامكانية استثمار اراضي الفشقة من قبل المزارعين الاثيوبيين والفكرة ليست بعيدة من أن تكون حلايب منطقة تكاملية وكلها محاولات لايجاد تسوية للنزاعات في المناطق الحدودية.
ومهما كان المقصد فالتربص بائن والتنمر ليس مكانه ساحة المنصور وأنا شاهد عدل (شاف كل حاجه في الاتحاد الاوروبي) ، كانت د.مريم الصادق الأكثر تأهيلاً بيننا فهي بالرغم من كونها طبيبة حصلت على بكلاريوس القانون وتتقن اللغة الانجليزية فضلاً عن المامها بلمفات حقوق الانسان تتكئ على تجربة ثرة في العمل الخارجي لدرجة أنها أصبحت نائباً للشؤون الخارجية في حزب الأمة .
أذكر في تلك الرحلة أبانت د.مريم لسفيرة المملكة المتحدة روزاليند مارسدن مدى سوء الاوضاع السياسية في السودان وبالرغم من دفاع ممثلي المؤتمر الوطني المستميت والذين حاولوا مجاراتها إلا أنها وضعت الأمور في نصابها .. لا حظت في آخر اللقاء أن روزاليند اهتمت بمريم وبالاحرى بمرافعتها كمعارضة قدمت رؤية قوية عن ضرورة التغيير وازاحة النظام ، لم أهتم بعد ذلك كثيراً بما دار بين المنصورة ومارسدن ، ولكن تذكرت الامر بعد تعليق المخلوع في لقاء حاشد بالنيل الأزرق بأنه صرف (بركاوي) لروزاليند عندما كانت سفيرة لبريطانيا بالسودان، تعليق البشير هو نتاج للنشاط المحموم والواسع لقوى نداء السودان ، ولم يكن الرجل يدرك أن د.مريم هي من المهندسين لهذا التحالف وربما هي التي أقنعت روزاليند للعب هذا الدور ودعم نداء السودان لدرجة أوصلت الرئيس المخلوع لصرف (البركاوي).
إلتقيت د.مريم وطلبت منها اجراء حوار وكان ذلك في خضم المواجهات الحامية لاسقاط النظام ، فسألتني عن أهم المحاور فقلت لها أسرار تكوين تحالف نداء السودان ، إبتسمت دون موافقة ، وظلت مريم تقف سداً منيعاً أمام أي تقارب بين حزبها والانقاذ ولو أرادت ذلك في المنعطف الاخير لحدث ولمنحت رئة النظام البائد أوكسجين أخير للتنفس، لكنها كانت صمام الأمان وواصلت المشوار الذي كانت تلعب فيه دور تنسيق العلاقات الخارجية بقدرة واقتدار إلى أن انتصرت الثورة .
الجريدة