د. الفاتح إبراهيم /واشنطن
اشتهر العقاد بالعقل الموسوعي والمنطق الصارم يسكت به خصومه ويدحض به اطروحاتهم !! وفي احدى معاركه النقدية حول حقيقة وجوهر الشعر المطبوع وصف معارضي مقاييسه النقدية ساخرا أنهم يجهلون حقيقة الشعر وأهداف العمل الادبي وفوق ذلك انهم يجهلون أنهم يجهلون .. ورؤية العقاد برمتها تنطبق على
القائمين على امر بلادنا اليوم .. فهم ليس لهم معرفة عميقة بكل ما يتعلق داخليا بهذا البلد وانسانه من حيث مزاجه النفسي وثقافاته المتنوعة وفنونه أما خارجيا فإن الصورة والرؤية في أذهانهم تكون دائما في اهتزاز لا دراية لهم بما يجرى من أمور في العالم من توجهات سياسية واحلاف وصراعات ومنافسات بين الدول والامم .. إن التعامل مع السياسة الدولية يحتاج الى ربان ماهر يدري بعمق ومعرفة فنون الإبحار في بيئات وعرة كتلك التي تسود العالم حتى يتم تجنب مثل هذا الانهيار الشامل الذي يجري على البلاد والعباد .. وهكذا كل ما مر الوقت تتراكم عليهم المشاكل وتتفاقم الازمات وهم لا يمتلكون آليات الحل بالدرجة الأولى .. والأنكى من ذلك انهم يجهلون انهم يجهلون ..
ويطرحون حلولا مضحكة مثل مصارعة الدولار حتى هزيمته وسيعملون الديمقراطية مادام هذا مطلب الشعب ..
بالطبع لا يؤمنون وربما لا يدرون أن الديمقراطية ونمو وبناء المجتمع والانسان الحر تأتي ابتداء من تحت الى فوق وليس كما يفهمونه هم من فوق الى تحت bottom up not top down
لذلك كان طبيعي أن يستغرب ويتعجب المخلوع من أن تكون هناك مظاهرات في الشارع بعد الانتخابات “المخجوجة إياها” ويتساءل مستنكرا ومعلقا على المتظاهرين ماذا يريد هؤلاء بعد أن عملنا لهم الانتخابات ؟!!
نفس العقلية مستمرة حتى الآن ظل الانقلابيون يرددون انهم استلموا السلطة تصحيحا للمسار وأنهم “سيجرون” الانتخابات في العام ٢٠٢٣ ..
هذا هو فهمهم انهم هم الذين يقررون الانتخابات كيف ومتى وأين ولماذا .. ألم يخطر ببالهم أن مجتمع الحرية والديمقراطية ينمو من البيت والمدرسة والمجالس البلدية ثم البرلمان ومجالس القضاء والتشريع .. يعني باختصار لا يحدث ذلك خبط عشواء أو هبة من أحد وانما هي عملية معقدة تحتاج الى نضوج ووعي وتدريب وتنبع من قاع المجتمعات حتى ينتج عن ذلك حاكم يختاره الشعب فيكون واعيا بمطالب الشعب ورغباته وينفذها ..
(Grass-root movement ونرى ذلك يحدث تلقائيا في البلدان ذات التقاليد الراسخة في بناء الحكومة المدنية الديمقراطية) ..
لذلك كان ما قام به شباب وشابات السودان في اشعال ثورة الوعي باستخدام تكنولوجيا الاتصال الحديث لإحداث التغيير في القمة أحدث اعجابا وتجاوبا وصدى مدويا في أجهزة إعلام الدول ذات التقاليد العريقة في الحكم المدني الديمقراطي ..
وقد عبرت شعوب ودول حكومات الغرب خاصة عن ذلك الاعجاب في أجهزة الاعلام والتصريحات الرسمية .. وعلى سبيل المثال عبر الرئيس الفرنسي ماكرون عن اعجابه بثورة الشباب السودانية بتوجيه دعوة رسمية لممثلتين للثورة هما آلاء صلاح ورفقة عبد الرحمن لزيارة فرنسا .. ولقد عرفت آلاء صلاح بأيقونة الثورة التي اشتهرت بتوجيه خطابها للجماهير من على ظهر سيارة ورفقة عبد الرحمن صائدة البمبان طالبة الهندسة التي ردت عبوة الغاز المسيل للدموع الى رجال الامن الذين حاولوا فض المظاهرات .. كما صرح وزير خارجية بريطانيا دومينيك راب أنه يعتبر شجاعة وجرأة صائدة البمبان رفقة عبد الرحمن مصدر إلهام له ..
وهذا هو قدر السودان أن يستمر هؤلاء الشباب العزل في ثورتهم السلمية النبيلة ويستمر الطغاة المدججين بالسلاح في ظلمهم وفسادهم وطغيانهم وهل هم على دراية بفداحة ما يعملون؟ ..
“وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ” (البقرة – 11)
صدق الله العلي العظيم ..