وائل محجوب
• قلت من قبل إن ما نواجهه حاليا على الرغم من هشاشة السلطة الانقلابية، الإ انه ربما يكون أخطر تحالف سلطوي في تاريخنا الحديث، إذ أنه يجمع بقايا النظام البائد ومنظومته العسكرية والأمنية والاقتصادية، والآف من كوادره المنتشرة على مستوى جهاز الدولة، بعدما تحللت من قيودها السياسية والتنظيمية والفكرية، وهي تتحرك باتجاه وراثة وحماية المصالح المتراكمة للنظام القديم، مما هيأ لها المجال لتحالف ودعم اقليمي ودولي مع قوى جمعتها مصالح شتى مع النظام البائد، بجانب طبقة كاملة من اصحاب المصالح الذين استفادوا من نظام الانقاذ اقتصاديا وتعدلت اوضاعهم الاجتماعية تبعا لذلك، ومجموعات كبيرة من الفاسدين والمتورطين في انتهاكات حقوق الانسان، بجانب قوى مسلحة نالت بصفقة سياسية مزايا سلطوية تحت زعم السلام، وحواضن اجتماعية من الادارة الاهلية ودينية من بيوتات صوفية، وهو تحالف خطير لم تشهد البلاد له مثيلا، منذ الحكم الاستعماري للبلاد.
• والحال هكذا.. وفي ظل حالة الانقسام والتشرذم العامة التي نواجهها، لا أعتقد أن حزبا سياسيا في هذا الوقت الحرج والحاسم في تاريخ الثورة السودانية، أكثر تاهيلا من الحزب الشيوعي السوداني، لإعادة تنظيم الساحة ومعالجة الخلافات العميقة بين مكوناتها المختلفة، وفي تقديم اسهام حقيقي لوضع أساس لجبهة/ تجمع/ كيان/ تحالف أو جهة تنسيقية بالعدم.. لقوى الثورة في معركة الاطاحة بالسلطة الانقلابية.
• وفي مجمل ما قرأت من أحاديث منسوبة لقيادات بالحزب ولاصدقاء من عضوية الحزب الشيوعي، فانني الحظ ان اتجاها غالبا صار ينحو ويؤسس لفكرة تحالف الحد الأعلى مع القوى الثورية الجذرية استنادا على الخلل الذي شاب تجربة تحالف الحرية والتغيير كتحالف للحد الأدنى وخلافاتها العميقة تبايناتها وتكتلاتها السياسية التي سبق ان تناولناها كثيرا، وفي تقديري أن ذلك الاتجاه يخلط بين التكتيكي والاستراتيجي، ويتجاهل طبيعة وحقائق القوى الموجودة بالساحة وتوصيفها السياسي ومواقفها ومواقعها الطبقية.
• فلماذا الحزب الشيوعي دون غيره هو الأكثر تاهيلا..؟ فلنجب على هذا السؤال أولا.. ومن ثم نتحدث عن ملامح هذا الدور.– أولًا؛ الحزب الشيوعي قدم منذ وقت مبكر تصوره حول مآزق وجود اللجنة الأمنية في السلطة ومخاطره، ولم ير فيها غير استمرار للنظام بشكل مختلف، وقد قادته تلك القرأة لاتخاذ قرار بالعمل على اسقاط الحكومة الانتقالية.. رغم أن قراره ذاك قد خضع لموازنات الواقع ولم يخض معركة الاسقاط هذي، الأ انه بموقفه كان ينسجم مع قناعات قطاع واسع في الشارع الثوري وفي قلب العملية الثورية.
– ثانيًا؛ يتمتع الحزب الشيوعي بعلاقات مميزة مع القوى الثورية، سوأ كانت لجان المقاومة أو المجموعات الثورية التي تخلقت من رحم الثورة، وكذلك بمختلف القوى المدنية والمهنية، وذلك من خلال مواقفه المتوافقة مع طيف واسع منها، ومن خلال وجود عضويته الفاعله فيها، أو بالتنسيق المستمر معها والعلاقات المستقرة، وهذا وضع يؤهله للمساهمة في فك الاختناق الذي يحاصر علاقات هذه القوى بالقوى الحزبية المختلفة، والذي قاد فيما سبق لتداعيات مضرة، ولعل أبرزها التأثير على مسألة قانون النقابات كمثال فقط، ورعاية عملية الحوار التي أشرنا اليها.
– ثالثًا؛ يعتبر الحزب الشيوعي هو الحزب الوحيد الذي تجمعه حاليا علاقة صحية بالحركات المسلحة خارج مسار عملية سلام جوبا الشائهة، إذ تجمعه مذكرتي تفاهم مع كل من حركتي الحركة الشعبية بقيادة القائد عبد العزيز الحلو أو حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، وهو انطلاقا من هذه الوضعية المميزة قادر على بلورة رؤية مشتركة تجمع هذه القوى مع القوى الثورية والكيانات المهنية والقوى المدنية، بل وحتى القوى السياسية المتوافقة مع مشروع اسقاط النظام والرافضة للحوار معه، رؤية أكثر نضجا وشمولا لعملية السلام الشامل والدائم، وتصبح اساسا يحظي بأكبر جبهة داعمة ومؤيدة لها، لمشروع ما بعد اسقاط النظام.
– رابعًا؛ مواقف “الشيوعي” وموقعه من الصراع وعلاقاته المميزة مع مختلف اطراف العملية الثورية، والتي أشرنا اليه اعلاه، جعلته الأقل تضررا من التدهور الذي شاب علاقات مختلف القوى التي كانت جزء من الحكومة وتحالف الحرية والتغيير بالشارع، وبالتالي هو مؤهل لتأسيس ذلك الجسر الذي من شأنه حل تلك المعضلة، بقيادة حوار بناء مع مختلف الأطراف، الهدف منه تحديد المآخذ والأخطاء التي شابت مسيرة العملية السياسية منذ التفاوض وحتى انقلاب ٢٥ اكتوبر، والاعتراف بها والالتزام بعدم تكرارها.. ومن ثم الخروج لمربع جديد بتصور سياسي واضح، حيال التعامل مع هذا الانقلاب ومواجهته بتوحد تستدعيه خطورة القوى الداخلية والخارجية التي تقف خلفه.
– خامسًا؛ أي خلاف سياسي يبقى خلافا قابلا للحل طالما يدور في الفضاء المدني، ويتم حسمه وفقا لأدواته.. بينما الصراع مع القوى الموجودة على سدة السلطة حاليا هو صراع بقاء أما حياة أو موت، تستخدم فيه آليات الدولة للقمع والبطش والفتك بالخصوم، وتسنده قوى عسكرية ومليشيات لا تحتكم لقيم أو اخلاق، ولا مانع لديها في تحويل البلاد للحرب الأهلية أو دفعها للتفكك دفاعا عن سلطتها الانقلابية، بمعاونة تحالف اقليمي ودولي يساند في توفير الدعم وحماية اركانه من الحصار السياسي والملاحقة الدولية، وفي هذا الاطار ووفقا لما كشف عنه مستوى القمع وتوحشه وما ترافق معه من جرائم ضد الانسانية، وانتهاكات بلا حدود، والتغطية السياسية التي تتم لهذه الجرائم المنكرة، فالفرق في هذا القاع بين القادة والجنود، هو فرق مقدار وليس نوع، وهذا الوضع يقتضي أما حل الخلافات بين القوى المختلفة والانصياع لدواعي المسئولية الوطنية، أو تأجيلها لحين الفراغ من المواجهة الاستراتيجية، ولما كان من المستحيل وفقا للتشرذم والتفكك الذي نعيشه، أن يتم تأجيل النظر والتعامل مع هذه الخلافات دون أن تصبح هي نفسها عاملا لتشظي وتفكك الجبهة الرافضة والمقاومة للانقلاب، وبالتالي التأثير على مسار الثورة نفسه، فالأفضل هو مواجهتها وإدارة حوار حولها، ذلك هو المنهج السياسي السليم والمستقيم، والطريق الأفضل في تقديري لحشد اكبر جبهة في مواجهة الانقلابيين، ومحاصرة بطشهم وقمعهم ونزوعهم الدموي تجاه الجماهير.
– سادسًا؛ ليس بالضرورة أن تتجمع هذه القوى المتنافرة في تحالف جديد، ولا حوجة له إذا لم تتوفر الظروف الموضوعية لقيامه، ولكن على أقل تقدير يجب أن يتم حوار للتوافق على مطالب محددة وموحدة للثورة في مواجهة السلطة الانقلابية، وحتى يكون ذلك واضحا، فإن ذلك التوافق أساسه تفاهم بين القوى التي حددت أهدافها بوضوح ابتدا من الموقف من اسقاط الانقلاب وعدم الاعتراف بسلطته، وعدم التفاوض مع الانقلابيين، ويقود ذلك للتوصل لتفاهم وتنسيق سياسي على خطة لمواجهته ومحاصرته، وغل يده المطلوقة بالقتل والقمع في مواجهة الشعب، وارسال رسالة واضحة للقوى الدولية حول توحد جميع الأطراف في رفضها للانقلاب، وتمسكها بالحكم المدني الديمقراطي الكامل، إنهاء أي دور للقوى العسكرية خلاف مسئولياتها وواجباتها الوظيفية المحددة والمعروفة.
• إن هذه الثورة تحتاج لخطوة حاسمة ولا يستطيع فعل ذلك حزب بمفرده، وسنناضل جميعا في مواجهة هذه السلطة الانقلابية.. لكن سنحتاج لبناء تحالف جديد لهزيمتها.. ولا أظن أن حزبا فيما أرى أقدر من الحزب الشيوعي لبناء ذلك التحالف.. فليتقدم.
الثورة مستمرة وستنتصر
# لا تفاوض _ لاشراكة _ لاشرعية