د. إحسان فقيري
كثيرًا ما نسمع هذه المقولة بعد ثورة ديسمبر ومشاركة النساء بصورة فاعلة فيها!.
فحوالي 70% من المظاهرات واعتصام القيادة شاركت فيها النساء، فتفاعل النساء السودانيات ليس غريبًا، سيما وقد عانت المرأة كثيرًا في الماضيـ وما تزالـ من كافة أشكال العنف وفي كل مراحل حياتها مع تفاوت هذه النسبة من بيئة إلى أخرى وفترة وأخرى. لذا كان من الطبيعي أن تكون للنساء مشاركة فاعلة أملًا في الخلاص من العنف المنظم في شكل تلك القوانين الانقاذية التي تنتهك أبسط حقوقهن، وكان شعار الدولة المدنية الديمقراطية هو أحد شعارات الثورة والذي تبنته جموع النساء أملًا في الانعتاق من دولة القمع واضطهاد المرأة وهضم حقوقها المدنية المشروعة وعدم الاعتراف باحترامها في دولة المواطنة، دولة المؤسسات، دولة القانون والعدالة وعدم التمييز.
من هنا بدأت حملات التشويش وإشانة سمعة الدولة المدنية باعتبارها دولة الانحلال والفسوق!، وللأسف دخل أفراد من القوات النظامية في هذه المعركة بكل تدني معارفهم التي يعبر عنها احتقارهم للمرأة، وضمن هذا الاعتداء، استخدمت أيضًا كافة أنواع العنف ضد المواطن السوداني البسيط وضد الشباب والشابات من قتل واغتصاب وتحرش منذ فض اعتصام القيادة، وزاد العنف في الشوارع ضد الفتيات وكثرت الشكاوي من إهانات من قطاع ليس بالقليل من القوات النظامية، وقد نالت قطاعات في المجتمع التنمر والتحرش والعنف اللفظي والبدني، كما حدث لمجموعات من الأطباء الذين طوردوا حتى داخل المستشفيات التي تم اقتحامها والتحرش بالكوادر الصحية من النساء الرجال وحتى المرضى!.
كثر التحرش في الشوارع وزادت نسبة ضرب الفتيات حتى في مراكز الشرطة وبدون سبب وزادت الاغتصابات، وأصبح الشارع السوداني مرتعًا للصوص وإشهار السلاح الأبيض في وضح النهار (وانفلات 9 طويلة) وما حادثة داخلية حجار ببعيدة عن الأذهان، فأين حراس الداخليات وكيف يستطيع اللصوص التسلل لداخليات البنات؟!.
ومن ظواهر ذلك التحرش العنف اللفظي والذي يعبرون عنه بجملة واحدة تلخص نظرتهم العدائية ضد المطالب الوطنية التي أصبحت في مقام الشعار والمطلب العزيز لكل قطاعات الشعب السوداني، حينما يوجهون سؤالًا مستفزًا. لمعتقليهم وهم يضربونهم قائلين (ياها دي المدنية الدايرنها)؟!.
تبًا له من سؤال يعبر عن حقد وعن تحرش وغياب لأي نوازع وطنية، وفوق هذا وذاك، به محاولات لتشوية شعار الدولة المدنية الذي أخذ أشكالًا مختلفة لمحاولات تخويف وإرهاب قطاعات عريضة من الثوار والكنداكات منه، وهناك أقلام أنبرت لاستخدام الشعار وكأنه وصمة اجتماعية، حينما يتم تناوله ضمن هجوم مقذع على نشاط ونضالات قطاعات من الحركة النسوية (كمبادرة لا لقهر النساء) المشهود لعضواتها بالاستقامة ولكن هيهات! فقد ساهمت هذه المبادرة تحديدًا في كسر حواجز الخوف والتردد بوقوفها في الشارع ضد الانقاذ رغم القمع والاعتقال والاستدعاءات المتكررة!.
وما يؤسف له أن (حكومة الثورة) المتمثلة في وزارة الاتصالات لم تكن قدر مسئولية الثورة وشعاراتها، حيث وصل صمتها حد التواطؤ وإلا كيف تعجز عن الوصول لكتاب تلك المقالات المسيئة لقطاعات عريضة من النساء؟!.
ثلاثون عامًا من حكم الانقاذ تتغير فيها كثير من المفاهيم وخاصة فيما يتعلق بالوصف الوظيفي لكافة فئات المجتمع السوداني، فالجيش يصبح متطلعًا للسلطة بدلًا عن حماية الحدود والدولة الديمقراطية ودستورها، والشرطة وهي المناط بها حماية المواطن والدفاع عن حقوقه، تصبح أداة قمع فتعيد تكوين شرطة النظام العام وأمن المجتمع ليس للحماية وإنما للقمع، أما بيوت الأشباح فهي لاستقبال المناضلين من كافة الأحزاب السياسية، فلا نرى بعد نجاح ثورة ديسمبر أي إحقاقًا للحقوق أو المسائلات القانونية!.
إن هذا التنكيل الذي يمارس على شبابنا وكنداكاتنا على الشوارع، يعذب من يعذب، ويستشهد من يستشهد، ورغم ما يصيبهم من عاهات نفسية وجسدية إلا أن وتيرة صمودهم في ارتفاع تذهل الجلاد، ولا سبيل في نهاية الأشواط إلا الانتصار لإرادة الجماهير ومطالبها العزيزة،، ستنتصر قطاعات النساء وستنتصر قطاعات الشباب وسيحققون شعار (مدنية العاوزنها)،، ومدنياااا!.
المصدر الراكوبة +الميدان
short_link:
Copied