أخبار السودان :
وففات مع بعض ابعاد شعيرة الحج
هناك عبادات تعبر فقط عن الارتباط بين العبد وربه دون انعكاس على العلاقة بين الناس وتقاطعاتها ، وهناك عبادات لها ربط بالغير ، او بمعنى اخر يمكن القول أن لها ابعادا تنعكس على علاقات الناس مع بعضهم بعضا ، فالزكاة مثلا من العبادات التى يتضح ارتباطها وانعكاسها على علاقات الأفراد بعضهم بعضا ، وهذا من الواضحات التي لا تحتاج إلى بيان.
ومن هذه العبادات ذات البعد الاجتماعي – ان صحت العبارة – الحج ، فعلاوة على الاحساس الخاص الذي يعيشه الإنسان والبعد الروحي للحج وانعكاس الشعيرة على تنمية ورقي الروح عند الحاج وشعوره بعمق الارتباط مع الله تعالى ، هناك بعد ارتباط واضح وكبير بين الحج كعبادة ووبين العلاقات الإنسانية بين الحجاج.
وإذا كانت الأمة الإسلامية ترتبط بينها برباط ديني ، وتجمعها وحدة جغرافية طبيعية ، ولها رسالة نورانية حضارية في هذا الوجود ، فإن ذلك يعنى غايات واحدة ، وأهدافا مشتركة ، ويعني في النهاية مصيرا واحدا.
والأمة الإسلامية أمة أراد الله لها أن تكون صاحبة رسالة دينية وحضارية ، والرسالة الدينية الحضارية المنوطة بالأمة الإسلامية لا يمكن تأديتها والقيام بحقها إلا إذا توحدت جهود الأمة الإسلامية دينيا وفكريا وحضاريا.
وفكرة الحج هي فكرة تمهيدية ، وصورة مصغّرة عن يوم القيامة ، بل قل هي القيامة الصغرى ، وهذه الفكرة تقوم بدور تذكيري كبير لإعادة الوضع الإنساني إلى الدائرة الوسط .
فهي تثير بنفس الإنسان حالة القرب من النهاية ، والتي تجعل الإنسان يراجع حساباته في الظروف الصعبة ، ويتراجع عن أمور كثيرة ، ويتنازل عنها لحساب المستقبل .
و في مناسك الحج يتجاوز الإنسان ذاته ويهاجر كهوفها المظلمة ويترك أنانيته وكبرياءه ; ليحقق أفضل المنطلقات الجديدة لها ، أو قل ليبني ذاته من جديد ، ويركز وجوده من جديد ويؤمن ذاته من جديد . ويعلي ذاته من جديد; لأنه كما ساهم في إنزال الذات وإسقاطها من لباس الكبرياء والعظمة والأنانية كما أعلى شأنها وأقام بناءها على أتمّ أساس وأكرم مستقبل .
و أن الحج يثير في النفس فكرة التجرّد والصعود إلى العلو حيث الشوق الكلي والاستغراق المجموعي في اُنس القداسة حيث للنفس أشواق تتجاوز فيها المعاني التي تعرفها عبر الحب والعلم والمجد والأمر والنهي والكرامة ، ولا يتم ذلك إلا من خلال المعاناة والقرب المعنوي ، الذي يجعل دائرة الذات أقرب إلى دائرة الاتحاد الكلّي .
وعندما تصل الاُمّة إلى هذا المستوى من الصدق في التعاطي ، وتذوب فيها كلّ الرواسب الجليدية ، وتلتقي على محبة الله سيكون عندئذ للاُمّة شأن آخر .
و عندما يحجّ الإنسان بوعي يشعر أنه كان معزولاً عن أهله ومحبّيه ، وأنّ له اخوة إذا استحكمت علاقته الطيبة معهم سوف يكون علاقة من الوشائج الثقافية على مستوى طموحات الاُمّة ثقافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، ومن الأخطاء أن يحاول بعضٌ جرّ الناس لنفسه بدل أن يجرّها لربّه ، ويقدِّم لها ثقافةً شخصية بدل أن يزوّدهم بثقافة إلهية .
لأنه عندما يحجّ ويرى هذه الحشود البشرية الدولية العالمية كلّها تلتقي في الكعبة المشرّفة وتؤدّي نفس المناسك ، وتعبِّر المناسك عن مدلول وحدوي كبير سوف يشعر الحاج بأدائه لهذه الفريضة أنه مل الزمن ومل التاريخ ومل المستقبل ، وأنّ المعاناة التي يلاقيها من طواغيت زمانه ما هي إلاّ مشقّة صغيرة ، وبعدها الراحة الكبرى
أنّ المدخل السياسي المهم لحركة الاُمّة يؤخذ من قوّتها وتأثيرها بشعائرها ومقدّساتها ، وأنّه بلغ من حفاظ الاُمّة على مقدّساتها أن تبذل النفس والنفيس للوصول إليها ، فهاهم المسلمون اليوم وقبل اليوم يستجيبون لنداء الله ، ويأتون على كلّ ضامر ومن كلّ فجّ عميق في الجو والبر والبحر ، ليعلنوا موقفاً موحّداً وهدفاً موحّداً وثقافة موحّدة وشعائر موحّدة .
سليمان منصور