نزار مكي
بينما تكاد محنة الانقلاب تكمل شهرها الخامس نجد انها تنحدر بالبلاد وبسرعة نحو الهاوية الي درجة تشكل تهديد وجودي للبلاد، لم يقدم الانقلابيّون ومن خلفهم الا مزيدا من التعقيد على كل مستويات الحكم التي استولوا عليها. مع الرفض الشعبي المستمر حاولوا صنع حاضنة سياسية من بقايا النظام الذي ثار عليه الشعب كخطوة على طريق فرض الأمر الواقع فلم يجدوا من الحطام الا إعادة اعداد من كتائب التمكين الي مواقعها السابقة في مفاصل الدولة التي نالتها خلال عهد الإنقاذ بحكم الانتماء والمحسوبية والتي لم تنجح في حماية الإنقاذ من السقوط رغم أنها كانت مدعومة بكامل إمكانيات الدولة حينها على مستوى استباحة المال العام وسطوة جهاز الأمن والسيطرة على الإعلام فكشفت الثورة عن هشاشة تلك المنظومة وعن فسادها.
على المستوى الاقتصادي نجد ان البلاد تسير نحو الانهيار الاقتصادي في وقت اختفى فيه من كانوا يزرفون الدموع وهم يتباكون على معاش الناس. أما على مستوى الأمن والذي هو صميم اختصاصهم فقد تم اختزاله في التنكيل بالمتظاهرين الرافضين للانقلاب لترتقي أرواح قرابة التسعين شهيدا وأكثر من ألفين مصاب ولتتحد قوات القمع مع عصابات النهب في مشهد مخجل يحدث عن درجة غير مسبوقة في الانحطاط.
خارجيا على المستوى الإقليمي لا يجد الانقلابيّون سوي الارتماء بكل خنوع في أحضان المحاور التي يحسبون انهم سيجدون منها الدعم الاقتصادي والسياسي ولكنهم لم ولن يجدوا سوي الابتزاز وفرض الاجندات التي لا تراعي مصلحة البلاد فتكون نتيجة المزاد معروفة وهي البيع بابخس الأثمان كما كانت تفعل الإنقاذ.
مشكلة الدولة السودانية تكمن في انها لا زالت تنوء بحمولات الموروث السالب للممارسة السياسية السودانية منذ الاستقلال وحتى اليوم والذي ترتبت عليه كل الاشكالات الاقتصادية والاجتماعية ولتنتج كل أزمة أزمات أخرى ويستمر انتاج الازمات لنجد أنفسنا الان في دولة تسير نحو الانهيار الكامل ويغتصب السلطة فيها من لا يملك اي حلول ويظل متشبسا بها لأهداف ومصالح خاصة وبأفق محدود. ثورة ديسمبر كانت ولا زالت تعمل على الخروج عن الدائرة الشريرة لصراعات السلطة والثروة والتأسيس لقواعد دولة وتلك هي الأولوية والتي يترتب عنها ترسيخ معاني المواطنة والعدل والحرية وبالتأكيد السلام المستدام وما يتبع ذلك على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. الصراع كبير ويتعدد فيه الفاعلون من الداخل والخارج كل حسب اجندته ولكن يبقى طريق الثورة واضحا مثلما هو قاسي.
مداميك