الحلقة الاولي
رغم أن الإعلامي السوداني يعدّ من أكثر إعلاميي الكرة الأرضية تعرّضا للظلم والإهمال ، إلا أن رسالته تجاه الوطن فرض عين لاكفاية ، وبعيدا عن شماعة القوى السياسية والثوار والعسكر ، فإن الإعلام يتحمّل المسؤولية الرئيسية في تردّي الأوضاع ، لأنه انقسم ككيان موحّد وتفرّق بين القوى المتصارعة فاقدا صفته الأساسية كعنصر حياد لاينتمي لغير الإستراتيجية العليا للبلاد والتي تفرض عليه أن يلعب دورا أساسيا في قيادة كل مفاصل الحياة ، فدول العالم الآن تقود نهضتها عبر الإعلام ، وتخوض الحروب بالاعلام قبل السلاح ، وتحافظ به على نسيج وحدتها ، أما إعلامنا فقد انقسم بين مع وضد ، ولو اتفق الإعلاميون من الأساس على المحافظة على وحدة كيانهم وفق معايير الأخلاق المهنية لما وجد هذا الطرف أوذاك جرأة التغوّل على مايهدد الوطن، ولولا أهمية الإعلام لما قامت العديد من الشخصيات والقوى الفاعلة بإهدار أموال الدولة عبر تعاقدات مع مكاتب علاقات عامة في العديد من الدول لتبييض صورتها بهدف تزييف الحقائق وإرباك المشهد العام .
معظم إعلاميينا بكل أسف لايدركون أبعاد ماتفعله الكلمة بالوطن والمواطن ، ولاما يسببه وقوفهم مع أحد الأطراف من تصلّب مواقف يقود البلد والأهل نحو المجهول ، فأعظم دكتاتوريات العالم اقتاتت من الإعلام لتعيش وتتجبّر، وأعظم القوى العسكرية هزمتها قوى الكلمة التي تمكّنت من توحيد الصفوف ومواجهتها ، فللإعلام دور يعرفه كل إعلامي ، وبيده أعظم الأسلحة التي يملك خيار استخدامها إيجابا أو سلبا .
وللإعلام سيطرته وجبروته وقوّته ، فقناة الجزيرة التي ساهمت في إرباك المشهد العربي منذ إنشاءها وأثارت الجدل حولها بين مؤيّد ومعارض ، لاتحتل غير مساحة محدودة في مدينة الدوحة ، ولكنها في الواقع المحسوس نجدها أكبر من دولة قطر بكاملها ، والأمثلة لاتنضب ، فالإعلام هو السلطة الأولى لا الرابعة ، ودور الإعلام أكبر من دور أي مفصل في الدولة ، حتى العقيدة والمعتقدات والإرث والموروث ماكانت لتجد انتشارا وتمسكا بها لو لم يحملها الإعلام .
وبناء على المثل القائل بأن الشقي من يرى في نفسه والسعيد من يرى في غيره، فإن النماذج التي نشهدها حولنا في ليبيا واليمن والعراق وغيرها من الدول المتشابهة الظروف تتطلّب منّا كإعلاميين وقفة مع أنفسنا وأداءنا المهني تجاه قضايا بلادنا والدور الذي يجب أن نلعبه في هذه الفترة الحرجة التي تنذر بالكثير الذي لانرتضيه لوطننا ، فتوقّف الحياة أضرّ بمصالح النّاس ، واعتماد غيرنا على الدول التي ننتظر منها نصرة بعضنا ضد بعض لاحت نتائجها ، ويكفينا أننا تذوّقنا من قبل مرارة فقدان جزء عزيز من بلادنا، وقبلها فقد الكثير من أهلنا في دارفور استقرارهم وعاشوا في معسكرات النزوح ، وضربت الهجرة أهلنا في مختلف ولايات السودان فاكتظت بهم العاصمة التي أضحت الآن أسوأ عواصم العالم معيشة وأمانا .
وبنظرة سريعة لبلادنا نجد أن أعداد الإثيوبيين في عاصمتنا بحسب آخر الإحصائيات المتداولة يتجاوز عدد سكان جيبوتي ، هذا غير نازحيهم في الحدود والنازحين من تشاد وجنوبنا الحبيب ومختلف الدول الحدودية ، فأين سنلجأ وأهلنا لو استعرت حرب أهلية ؟؟ ويكفي أن الحرب التي تشنّها روسيا حاليا ضد أوكرانيا كشفت عن التّعسّف والضيم الكبير الذي يلاقيه الأفارقة الهاربون من جحيم تلك الحرب وتفضيل تقديم العون لنجاة غيرهم عليهم، فبلادنا رغم حالها البائس تعيش في نعمة عند مقارنتها بالشواهد الماثلة أمامنا مايتطلب منّا التّعقل للمحافظة على ماتبقى من أمن واستقرار ، ولايمكن أن يتم ذلك بغير خطاب إعلامي جديد يستوعب كلّ المهددات المحتملة ويرسّخ لوطن متسامح ومستقر وآمن .
ونواصل ….
المصدر الراكوبة