أخبار السودان:
معلوم لدى الجميع أن السلطان العثماني محمد علي باشا، احتل السودان لأسباب كثيرة منها حاجته للمال لبناء دولته وجيشه، وهو كان يطمع في استخراج المعادن النفيسة التي اشتهر بها السودان ومنها الذهب في إقليم بني شنقول الذي كان يتبع للسودان حتى عام 1902، حين قام المستعمر الإنجليزي بمنحه للجارة إثيوبيا بشرط ألا تقيم عليه منشآت مائية دون موافقة السودان، وهو عطاء من لا يملك لمن لا يستحق وقنبلة من القنابل التي زرعها المستعمر ورحل، ولكن ظل أهل إقليم بني شنقول يشعرون بالغربة عن إثيوبيا وهي أيضا لم تتقبلهم تماما وهذا خلق بينهم شرخا لم يلتئم حتى الآن، ولذلك ظلت لدى الإقليم نزعة انفصالية ولديه الآن حركة اسمها حركة تحرير شعب بني شنقول.
وبالرغم من مرور أكثر من مائة سنة على منح إقليم بني شنقول لإثيوبيا إلا أن السودان لم يقل شيئا واعتبر إثيوبيا دولة شقيقة ولن تغدر بشقيقها، وأن التعاون على إدارة المياه لن يكون سبب صراع بينهما، فمياه النيل يمكن أن تسقي العالم وليس شعبين، إلا أن إثيوبيا خانت العهد وغدرت بالسودان في عهد النظام المخلوع الفاسد الذي كان يتاجر بمصالحه مقابل البقاء في السلطة، فلم يهتم لبناء السد إلا في حدود منفعته الشخصية، فوجدتها إثيوبيا فرصة وسارعت الى بناء السد الذي خرجت فكرته أصلا من الولايات المتحدة الأمريكية، عندما خططت فى الفترة من 1956 إلى 1964، لتخزين المياه فى إثيوبيا وليس مصر، ولكن جاء بناء السد العالى الذي ألغى فكرة سد النهضة. عادت إثيوبيا لإحياء الفكرة عام 2009 مستغلة ظروف السودان ومصر، وبدأت البناء فورا في 2011 على الأراضي التي التزمت بعدم إقامة أي منشآت مائية عليها دون موافقة السودان وبدعم من دول متعددة لها أطماع بالمنطقة.
أول أمس قال الدكتور أحمد المفتي، العضو السابق في وفد السودان لمفاوضات سد النهضة في برنامج البعد الآخر على قناة العربية، إن الأرض التي أنشئ عليها سد النهضة ملك للسودان منحها لإثيوبيا بشرط ألا تقيم عليها منشآت مائية، اعتبر البعض الأمر مفاجأة جديدة وفي الحقيقة هو أمر قديم لم يشأ السودان إثارته الى حين، ولكن المفاجأة الحقيقية هي أن يسترد السودان هذه الأرض، خاصة إذا لم تقم إثيوبيا بتوقيع اتفاق مع النظام المخلوع، كما ناشد المفتي مجلس الأمن الدولي بضرورة التدخل لإثناء إثيوبيا عن بدء الملء الثاني للسد المقرر في يوليو المقبل، حتى لا ينفجر الوضع، لأن هناك أكثر من عشرين مليون مواطن سوداني مهددون بخطر عظيم بسبب سد النهضة، والغريبة أن إثويبيا غير مهتم بالأمر مع أنه يعتبر جريمة ضد الإنسانية مثلها مثل استخدام أسلحة الدمار الشامل.
خلاصة الأمر بما أن إثيوبيا لم تلتزم بالعهد يكون الحق قد سقط عنها، ومن حق السودان استرداد أراضيه وشعبه المُغرّب بني شنقول فهو أصلا لم يستطع أن يتقبل إثيوبيا ولم تستطع هي تقبله، وهناك إقليم إثيوبي آخر مجاور نزح أهله للسودان بسبب القتال من أجل الانفصال ويحب أن يستفيد السودان من هذا الوضع أيضا، وأعتقد هذا هو الرد المناسب لجبروت الحكومة الإثيوبية على السودان صاحب الحق الأول والأخير وقد آن الأوان ليشهر أسلحته، ولا داعي للصبر والوفاء فالموقف لا يتحمل.
يجب أن تعلم إثيوبيا أن النهضة لا تبنيها الخيانة والغدر والاستيلاء على حقوق الآخرين ودق أسافين للصراع بين الشعوب، وإنما التعاون والتوافق والوفاء وتعميق المصالح المشتركة واقتلاع أسباب الصراع، ولا يمكن لها أن تؤسس نهضة بتفخيخ المنطقة كلها.
جريدة الديمقراطي