ما لم يكن يدر فى حسبان الكثيرين ان تنسحب دولة الإمارات العربية المتحدة من المشهد السودانى بهذه البساطة ، وهى التى جهدت بقوة على التاثير فى الواقع السياسى السودانى ، عبر التدخل المباشر فى التفاصيل الدقيقة للشان السياسى السودانى ، وقد شهدت الخرطوم نشاطا محموما لسفير دولة الإمارات ، وكانت السفارة محط رحال كثير من السياسيين ، ووصلت بالسفير درجة البجاحة حدا جعله يقول يقول صراحة ومن دون مواربة ان عربته تتحرك محملة بالدولارات التى تفعل فعلها، وتؤثر الأثر المطلوب عبر شراء الذم ، وهذا الكلام يعتبر فى حد ذاته خروجا عن اللياقة وعدم احترام لقواعد الدبلوماسية لكن ماذا نقول لمن يظن انه بماله يفعل ما يشاء ، وكما شهدت الخرطوم هذا النشاط الكبير للسيد السفير فابو ظبى كانت جاهزة بل راغبة فى بذل الأموال الطائلة لاستقبال الساسة من السودان وبذلت ما بذلت فى سبيل التاثير على المواقف وفرض ما تريده ، وبالتزامن مع هذا الوضع سمعنا وقرانا عن الوجود الواضح والكبير للمخابرات الإماراتية فى بلدنا وادارتها نشاطا واسعا وسط العديد من فئات المجتمع وكل ذلك بغرض الوصول إلى مبتغاها بالتاثير فى الواقع السياسى السودانى ، وهناك من يذهب جازاما ان المخابرات الإماراتية كانت تعمل بالاصالة والوكالة معا ، ففى الوقت الذى تعمل فيه لصالح أجندتها الخاصة كانت تدير نشاطا بالوكالة عن المخابرات الإسرائيلية ، والاخيرة مع وجودها هنا وعملها المباشر الا ان حساسية البعض تجاه اسرائيل وعدم إمكانية التعامل مباشرة معها جعل المخابرات الإماراتية تقوم بهذا الدور نيابة عن زميلتها.
وفى الشان السياسى تدخلت الإمارات كثيرا سواء عبر سفارتها بالخرطوم او من ابوظبى ولكن كان مفاجئا جدا للكثيرين ان تعلن الإمارات انسحابها من الشان السياسى السودانى الذى صنعت لنفسها فيه حضورا واضحا ، وفى غمرة هذا الزخم جاء الانسحاب المحير الذى القى بكثير من الأسئلة والتى لم تجد اجابات ، وهذا سيزيد الغموض غموضا ويفتح الباب واسعا امام التكهنات لتسرح وتمرح ، ومن هذه التكهنات القول بأن دور الإمارات انتهى بوصول السفير الأمريكى ومباشرته لمهامه ، وبذا تنتهى دور الإمارات كوكيل بعد ان جاء الأصيل ، فهل حقا هذا القول ممكنا؟ ليس هناك ما يجعلنا نستبعد ذلك قط ، والله اعلم.
سليمان منصور