الاستقلال الحقيقي
في الأول من يناير سنويا يحتفل السودانيون بعيد الاستقلال المجيد ، ولهم ان يحتفوا بالانعتاق من المستعمر البغيض ، وتحرير بلدهم. ونعلم ان الأول من يناير عام 1956 كان يوم إنزال علم الاحتلال ورفع علم السودان ايذانا بإعلان الاستقلال وقيام الدولة الوطنية ، وكان البرلمان قد أقر الاستقلال في التاسع عشر من ديسمبر 1955 لذا يعتبر البعض ان هذا هو يوم الاستقلال الحقيقي ، وان الأول من يناير هو ذكري تنفيذ قرار البرلمان بإعلان الاستقلال ، والقولان صحيحان ، ولا تعارض بينهما ، وقد جري العرف ان يتم الاحتفال في الاول من يناير كل عام ولا غضاضة في ذلك.
ولا شك أن اي جهود لنيل الاستقلال وخروج المستعمر هي جهود مشكورة ، ويجب على الاجيال ان تشعر بالامتنان للآباء الذين ناضلوا بكل الاشكال من أجل تحقيق الاستقلال ونيل الحرية ، وعلينا ونحن نحتفي بالاستقلال ان نقف مع أنفسنا متاسئلين ماهو الاستقلال الحقيقي الذي يجب أن نسعي اليه.
إن أولى ركائز الاستقلال هي الانعتاق التام فكريا وثقافيا عن الغرب او الأجنبي عموما ، ومعرفة الخيط الرفيع بين التبعية والاستفادة من الغير ، فليس من الاستقلال في شيئ ان نبتعد عن قيمنا وأخلاقنا واعرافنا ونتابع الاخر ، ونري في مجتمعنا من يقر ثقافة التعري مثلا ، او الدعوة إلى التعايش مع دعاة المثلية ، او التسامح مع أصحاب السلوك الشاذ ، وان يتم كل ذلك بدواعي التحرر والتطور ، والابتعاد عن التقليدية والرجعية والتخلف ، وكل هذه ادعاءات عريضة لايمكن أن تثبت ، بل تبقي هرطقات ، ويمكننا القول انها في نفسها لا تلتقي مع الاستقلال ، فمن يتصف بها او يقبلها ولايري حرجا فيها هو البعيد عن الاستقلال ، وان ادعي انه حر واحتفل بالاستقلال.
ومن ركائز الاستقلال الحقيقي الحرية في اتخاذ القرار وتحديد المواقف دون خضوع لأى جهة او خوف من أخري ، او بحث عن موقف وسط لا يؤثر على تحقيق مصالحنا ، ويجعلنا في مأمن من الضغوط وبيع المواقف والارتهان للغير ، خوفا من بطشه او طمعا في عطاياه.
ومن ركائز الاستقلال الوقوف بوجه الطغاة والمستكبرين ، ورفض استبدادهم ، ومناصرة المستضعفين ، والوقوف مع المظلومين ، وهل هناك مظلومية أوضح واجلى من مظلومية الشعب الفلسطيني ؟ وهل نصدق جماعة او حزب او شخص أو أي جهة تدعي العمل لتحقيق الاستقلال او تزعم انها نالت استقلالها وتحتفي به وتدعو الآخرين للاحتفاء بالاستقلال ومع ذلك تنغمس في مستنقع التطبيع الاسن النتن ، او لاتري اشكالا في التطبيع والقبول به والتصالح مع الدعوة اليه ؟ ونقول ليس مستقلا ولاعرف معنى الاستقلال ولا عاش حقيقته من كان مطبعا او من لا اشكال عنده مع التطبيع.
ومن ركائز الاستقلال الحقيقى الإيمان بالتداول السلمي للسلطة ودعم حق الناس في اختيار النظام الذي تريده والوقوف بوجه الانقلابات ومناهضة الانظمة العسكرية والشمولية.
كل استقلال والسودان بخير وأهل السودان اكثر وعيا بمعاني الاستقلال وأكثر عملا بما يرسخ معانى الاستقلال الحقيقي في بلدنا وكل عام والجميع بخير ان شاء الله.
سليمان منصور