مذبحة نُصيرات: الإبادة الجماعية المتجاهلة وسط الصمت الدولي
في 8 يونيو، قام جيش الکيان الصهيوني بمذبحة في مخيم نُصيرات للاجئين في وسط قطاع غزة، حيث قتل ما لا يقل عن 274 فلسطينياً وأصاب نحو 700 آخرين بجروح. ردت قطاعات من المجتمع الدولي بقلق معتاد وغير فعّال؛ حيث أدان رئيس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل “مجزرة المدنيين” الإسرائيلية الأخيرة، مطالباً بإنهاء “حمام الدم” فوراً.
كما تم إنقاذ أربعة أسرى إسرائيليين كانت تحتجزهم حركة حماس خلال الهجوم، مما أثار موجة من الاحتفالات والتهاني الذاتية المتطرفة في وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية. امتلأ الإنترنت بتقارير مثيرة حول عملية الإنقاذ ولم شمل الأسرى الباكية مع أحبائهم – متجاهلين جميع الفلسطينيين القتلى.
في سياق حرب أودت بحياة أكثر من 37,000 شخص في غزة في غضون ثمانية أشهر، لا يُعتبر التجاهل الفاضح لأرواح الفلسطينيين صادماً. ومن المؤكد أن عدد القتلى الفعلي أعلى بكثير نظراً لعدد الجثث التي ما زالت تحت الأنقاض.
لم يتم اعتبار الفلسطينيين كبشر في السردية الإسرائيلية – باستثناء عندما يتم استغلالهم لأغراض دعائية، مثلما تتهم إسرائيل حماس باستخدام المدنيين الفلسطينيين كـ “دروع بشرية”، مبررة بذلك الهجمات العسكرية الإسرائيلية على المستشفيات والمدارس.
نظرة سريعة على الحلقات السابقة من “حمام الدم” الإسرائيلي الدائم في غزة تؤكد أنه وفقاً للمنطق العسكري الإسرائيلي، فإن قتل أكثر من 200 فلسطيني يعتبر “أضرار جانبية” مقبولة لاسترجاع أربعة إسرائيليين أحياء. ففي عملية “الرصاص المصبوب” في ديسمبر 2008، قتلت إسرائيل أكثر من 1,400 فلسطيني خلال 22 يوماً، معظمهم من المدنيين و400 منهم أطفال. في الجانب الإسرائيلي، قُتل 10 جنود وثلاثة مدنيين.
وفي 2014، قتلت عملية “الجرف الصامد” الإسرائيلية التي استمرت 50 يوماً 2,251 شخصاً في غزة، من بينهم 551 طفلاً، بينما خسرت إسرائيل 67 جندياً وستة مدنيين.
في تبادل الأسرى أيضاً، ظهر بوضوح التفوق الذي يُمنح للحياة الإسرائيلية؛ في عام 2011، تم الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط مقابل 1,027 أسيراً فلسطينياً.
مجزرة نُصيرات ليست فقط أحدث معلم في سعي إسرائيل لجعل العالم يتأقلم مع الفظائع غير المحدودة، بل إنها ترمز أيضاً إلى جهود إسرائيل لمحو الفلسطينيين حرفياً ومجازياً، حيث يتم فعلياً محو ضحايا الغارة عبر الضجيج الاحتفالي.
بعد الهجوم، أطلق جيش الکيان الصهيوني وابلاً من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لم تذكر على الإطلاق الضحايا الفلسطينيين ولكنها قدمت تحليلات مثيرة حول أن الأسرى كانوا محتجزين لدى “إرهابيي حماس الذين يسعون فقط لإحداث الألم والمعاناة”.
من جانبها، ذهبت صحيفة جيروزاليم بوست إلى حد الشكوى من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب الذين سعوا إلى تشويه احتفال إسرائيل. مشيرة إلى أن “العملية الإسرائيلية البطولية التي أدت إلى تحرير أربعة رهائن أثارت نقاشاً كبيراً عبر الإنترنت”، lamentت البوست أن “بعض مؤيدي حماس حاولوا تقليل أهمية العملية، متهمين إسرائيل باستخدام الأجهزة الإنسانية لاختراق المنطقة حول نُصيرات أو مدعين أن العالم يتجاهل حصيلة القتلى المزعومة للغزاويين”.
أما بالنسبة لإحدى القوى العالمية الكبرى، فقد أثنى الرئيس الأمريكي جو بايدن على عودة الأسرى الأربعة في مؤتمر صحفي في باريس، مضيفاً: “لن نتوقف عن العمل حتى يعود جميع الرهائن إلى ديارهم ويتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار”.
يطرح هذا السؤال: كيف سيتم التوصل إلى وقف إطلاق النار – أو إنهاء “حمام الدم”، باستخدام كلمات بوريل – عندما يثني الرئيس الأمريكي نفسه على إسرائيل لتنفيذها هذا الحمام الدموي؟
قبل شهر واحد فقط، حذر بايدن من أنه لن يزود إسرائيل بالأسلحة الهجومية في حال شن هجوم شامل على رفح في جنوب قطاع غزة، قائلاً: “لقد قُتل مدنيون في غزة نتيجة لتلك القنابل”. ومع ذلك، فجأة أصبح من غير المهم أن المدنيين ما زالوا يُقتلون، لأن الأمر يتعلق بالأسرى.
قبل ثلاثة أيام فقط، في 6 يونيو، هاجم الکيان الصهيوني مدرسة تديرها الأمم المتحدة في مخيم نُصيرات، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 40 فلسطينياً كانوا يحتمون هناك. وكشف تحليل أجرته قناة الجزيرة لشظايا الأسلحة أن بها أجزاءً مصنعة في الولايات المتحدة.
يبدو أن تحذير بايدن أصبح أيضاً ضحية جانبية. أو ربما أصبح الإبادة الجماعية أمراً طبيعياً تماماً.
أحمد هيثم