بعد اعتقاله في 25 تشرين الأول/اكتوبر المنصرم خرج رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك ليوقع الأحد 21 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي على إعلان سياسي بينه ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان. تضمن الاتفاق 14 بنداً، ونص على إلغاء القرار الخاص بإعفاء رئيس الوزراء عبدالله حمدوك. كما نص على ضرورة ابتداء حوار موسع وشفاف بين كافة القوى السياسية والمجتمعية وقوى الثورة الحية يؤسس لقيام المؤتمر الدستوري.
لكن سرعان ما أعلنت أحزاب سياسية بارزة وتنظيمات سياسية واجتماعية وكذلك حركات مسلحة معارضتها لقبول حمدوك على التوقيع مع الجيش، ويقول البعض إن التوقيع منح الانقلاب شرعية في الخارج كما وفر له غطاء سياسيا ظل يبحث عنه قبل الانقلاب.
وفي أثناء التوقيع تحرك آلاف المحتجين صوب القصر الرئاسي ونددوا بالتوقيع واتهموا رئيس الوزراء بخيانة الثورة.
يقول المحلل السياسي محمد حسن فضل الله إن الاتفاق لم يك مفاجئاً، فقد رشحت أنباء قبل يوم عن نية حمدوك الموافقة على اتفاق سياسي بينه وقائد الجيش الفريق البرهان، وأن الاتفاق يضمن عودة حمدوك لرئاسة مجلس الوزراء، لكن تحت إشراف المجلس السيادي. ويرى حسن أن الاتفاق أفقد حمدوك سنده الشعبي كما وضعه في خانة الصراع مع القوى المدنية الرافضة لوجود المكون العسكري في السلطة.
وفي أول رد فعل على الإعلان السياسي أعلن حزب الأمة القومي رفضه لأي اتفاق سياسي بين طرفين، وقال في بيان: «لن نكون طرفاً في اتفاق لا يخاطب جذور الأزمة السودانية» وأشار إلى أن الاتفاق الذي استبعد قوى الحرية والتغيير يعطي شرعية لانقلاب الجيش ونوه إلى أن الحرية والتغيير طرف أصيل في الوثيقة الدستورية.
وطالب الأمة بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين دون قيد أو شرط وفي ذلك تمهيد للتحول المدني الديمقراطي الكامل، كما طالب تكوين لجنة تحقيق دولية في أحداث القتل التي جرت بعد الانقلاب.
ولم يتأخر الحزب الشيوعي عن إعلان رفضه القاطع للاتفاق الموقع بين البرهان وحمدوك، واتهم رئيس الوزراء بقطعه لمسار الثورة السودانية والتي كما يرى في بيان صادر عن سكرتارية لجنته المركزية أن الاحتجاجات بعد الانقلاب كانت ماضية في استكمال مهام الثورة السودانية، ونبه إلى أن القوى السياسية التي وقعت من قبل على الإعلان السياسي في 4 اب/اغسطس هي أيضا قطعت الطريق أمام الثورة، بسبب استعجال النتائج.
المقاومة الجماهيرية للانقلاب
وكان الشيوعي قد أعلن من قبل رفضه القاطع للشراكة بين المكونين المدني والعسكري، ودعا إلى المشاركة في التظاهرات المعلنة ظهر الخميس 25 تشرين الثاني/نوفمبر وطالب بضرورة مواصلة المقاومة الجماهيرية للانقلاب الذي جعله حمدوك شرعيا عند المجتمع الدولي.
ورسم الشيوعي خريطة للاحتجاجات مستقبلا حيث دعا للعصيان المدني والاضراب الشامل، حتى سقوط السلطة القائمة.
وبدورها أعلنت قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، أنها «غير معنية» بالاتفاق المعلن بين البرهان وحمدوك.
إلا أن المجلس المركزي دخل قبل يومين في اجتماعات مكثفة مع رئيس الوزراء بعد الاتفاق، هذا الاجتماع يرى القيادي بالحرية والتغيير منذر أبو المعالي أن أطرافه يمثلون أنفسهم، ولا يمثلون الحرية والتغيير، وقال إن الحديث باسم الحرية والتغيير في هذا التوقيت من أطراف ليست لديها صلة بها قد يربك المشهد، لذا لابد من توضيحات تضع كل فصيل في موقعه.
وبدورها رفضت حركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد محمد نور الاتفاق، ووصفته في بيانها بإنه شرعنة للانقلاب.
كما نددت الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يقودها عبد العزيز الحلو بالإعلان السياسي، واعتبرته استمرارا لهيمنة الجيش على السلطة، على حد تعبيرها.
وعقب التوقيع على الإعلان السياسي صرح حزب التجمع الاتحادي قائلا: تابعنا اليوم توقيع الانقلابيين على مسودة اتفاق بينهم وبين د. عبدالله حمدوك. ان موقفنا من هذا الاتفاق مثل ما سبقه من الإجراءات منذ 25 تشرين الأول/اكتوبر، أنه غير معترف به من جانبنا وسنواصل المسير مع كل قوى الشارع السوداني الرافضة له وصولا للحكم المدني الكامل. ولا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية للانقلابيين كما قالها شعبنا فنحن منه وإليه.
ونفى التجمع الاتحادي لقائه بالسلطة الانقلابية ورئيس وزرائها، وقال في تصريح صحافي عبر صفحته الرسمية «وُجهت دعوة اليوم لرئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي لحضور اجتماع رؤساء الأحزاب السياسية بمنزل اللواء فضل الله برمة، وتم الاعتذار عن هذا اللقاء. نؤكد أننا بالتجمع الاتحادي لسنا جزءا من هذا الاجتماع وغير معنيين بما خرج به، ونجدد رفضنا الحوار أو التفاوض مع السلطة الانقلابية بكافة مستوياتها والتي نعمل مع شعبنا وقوى الثورة على إسقاطها».
اجتماعات لأطراف دولية ووطنية
وسبق الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك اجتماعات مكثفة لأطراف دولية ووطنية بغية الوصول لاتفاق يضع حدا للأزمة التي كادت ان تعصف بالفترة الانتقالية، وفقاً لتصريحات دول الترويكا والتي لعبت دورا في تقريب وجهات النظر بين الطرفين كما يقول مراقبون، إلا أن غيابهم عن لحظة التوقيع على الإعلان السياسي أثار الأسئلة حول أسباب عدم دعوتها من قبل الطرف العسكري الحاكم وقتها. وحسب خطاب خاص من القيادي بحزب الأمة القومي الدكتور ابراهيم الأمين للاتحاد الأفريقي، تحصلت «القدس العربي» على نسخة منه: ان وفد الاتحاد الأفريقي لعب دورا محوريا في تسهيل ونجاح عملية التفاوض بين المكون العسكري والمكون المدني. وأن انفعالهم بالثورة واهتمامهم بنجاح الفترة الانتقالية وفر للطرفين البيئة المناسبة دون أي تدخل في تفاصيل قضايا البلاد الداخلية.
وورد في الخطاب ان بعض وسائل الإعلام تناقلت خبرا مفاده ان المكون العسكري رفض استقبال وفد الاتحاد الأفريقي في وقت تم فيه الترحيب بمبادرة الجامعة العربية وبالمبادرة الأمريكية، وقال الأمين في خطابه «هنا يجب ان ننتبه إلى ان المرحلة التي تمر بها البلاد خطيرة ومعقدة وتحتاج في إدارتها إلى درجة عالية من العقلانية ومن الحكمة».
لكن بعد الإعلان السياسي توالت تصريحات دولية مؤيدة للاتفاق وفي نفس الوقت لم تخف قلقها على مستقبله.
يقول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن بلاده تريد رؤية تقدم أكبر قبل استئناف منح المساعدات المالية، التي علقت أعقاب انقلاب الجيش. وشددت الولايات المتحدة على ضرورة الإفراج عن جميع القادة المدنيين.
وفور الإعلان السياسي رحبت دول الترويكا (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج) والاتحاد الأوروبي وكندا وسويسرا، بتوقيع الاتفاق السياسي، وقالت في بيان مشترك «نرحب بالإفراج عن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك من الإقامة الجبرية في منزله، لكننا نحث على الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين، ليس فقط في الخرطوم، بل في جميع أنحاء البلاد» وأضافت: هذه خطوات أولى حاسمة نحو استعادة الانتقال في السودان والنظام الدستوري وسيادة القانون».
اللافت أن رئيس مجلس السيادة أثناء التوقيع أشاد فقط بالجهود التي بذلتها المبادرات الوطنية ولم يتطرق إلى الدور الذي لعبه المجتمع الدولي أثناء الأزمة.
الفترة الانتقالية
جاء في الاتفاق على أن الوثيقة الدستورية لسنة 2019 تعديل 2020 هي المرجعية الأساسية القائمة لاستكمال الفترة الانتقالية مع مراعاة الوضعية الخاصة بشرق السودان والعمل على معالجتها في إطار قومي يضمن الاستقرار بصورة ترضي أهل الشرق.
وأكد الاتفاق على ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية بالتوافق بما يحقق ويضمن مشاركة سياسية شاملة لكافة مكونات المجتمع عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول .
وقال الطرفان إن الشراكة الانتقالية القائمة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن والسبيل لاستقرار وأمن السودان، وبناء على ذلك اتفقا على إنفاذ الشراكة بثقة مع الالتزام التام بتكوين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة (تكنوقراط). وأن يكون مجلس السيادة الانتقالي مشرفاً على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية الواردة بالمادة (8) من الوثيقة الدستورية دون التدخل المباشر في العمل التنفيذي، مع التأكيد على ضمان انتقال السلطة في موعدها في تموز/يوليو 2023.
وأشار الاتفاق على أن تكون إدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان سياسي يحدد إطار الشراكة بين القوى الوطنية السياسية والمدنية والمكون العسكري والإدارة الأهلية ولجان المقاومة وقوى الثورة الحية وقطاعات الشباب والمرأة ورجالات الطرق الصوفية.
كما أكد على إطلاق جميع المعتقلين السياسيين وتنفيذ اتفاق سلام جوبا واستكمال الاستحقاقات الناشئة بموجبه وإلحاق غير الموقعين على اتفاق السلام .
وطالب بضرورة الإسراع باستكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالي وذلك بتكوين المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وتعيين رئيس القضاء والنائب العام، وتتوالى تباعاً تكوين المفوضيات ومؤسسات الانتقال الأخرى ومباشرة مهامها فورا وفق جداول زمنية محددة .
وأكد الطرفان على ضرورة إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من حزيران/يونيو مع مراجعة أدائها في الفترة السابقة، ورفدها بالكوادر المؤهلة في التخصصات والخبرات اللازمة التي تمكنها من أداء عملها بصورة ناجزة وعادلة مع تفعيل لجنة الاستئنافات ومراجعة قراراتها وفقا لدرجات التقاضي المقررة قانونا بجانب التحقيق في الأحداث التي جرت أثناء التظاهرات من إصابات ووفيات للمدنيين والعسكريين وتقديم الجناة للمحاكمة، وأكد الاتفاق على أهمية بناء جيش قومي موحد .
خانة الضغط المستمر
ويرى مراقبون أن الاتفاق المكون من 14 بندا جعل حمدوك يسير في طريق مجهول. وسيضعه في خانة الضغط المستمر. وقالوا إن تكوين حكومة كفاءات وطنية مستقلة تتطلب مشاورات مع جهات سياسية. وهي أصبحت غير معلومة بعد استبعاد الحرية والتغيير من المشهد السياسي.
ويرجح المراقبون أن الأسماء جاهزة قبل التوقيع على الإعلان السياسي. وان المكون العسكري اتفق مع مجموعة القصر وان حمدوك تسلم القائمة، وينتظر إعلانها.
وأبدت قوى سياسية مخاوفها من أن الاتفاق يأتي ضمن محاولات المكون العسكري. لتمرير خطه الانقلابي وبموافقة حمدوك وضغط القوى السياسية التي باركت كل خطوات الانقلاب.
وبالنسبة لتجمع المهنيين السودانيين. والذي سبق وان أعلن رفضه القاطع لأي اتفاق مع الطرف العسكري حتى قبل الإعلان السياسي. والأزمة بين المكونات المدنية والعسكرية وبعد ساعات من التوقيع. انتقد الاتفاق السياسي واصفا ما جرى بـ«الخيانة».
واعتبر الاتفاق انتحارا سياسيا لحمدوك، وقال إن الاتفاق مرفوض، ولا يخص سوى أطرافه .
ويرى المحلل السياسي والمحامي أنور محمد سليمان في تصريح لـ«القدس العربي». أن «لقاء رئيس الوزراء بمجموعة من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير. والتي باركت الإعلان السياسي الموقع بإمضاء رئيسي السيادي ومجلس الوزراء. وما أثاره من ردود فعل غاضبة. بلغت درجة إصدار نفي عن المجلس المركزي علمه باللقاء ونفيه تفويض تلك المجموعة.
ويقول، إن المجلس المركزي حالياً يضع عينا على السلطة وعينا على الشارع الرافض. وفي حال انه اتبع السلطة وأراد ان تكون له كلمة في رسم ملامح المستقبل. سيخسر الشارع والذي ربما يواصل في التصعيد على مدى طويل حتى يفرض واقعا جديدا، وان راهن على الشارع فربما ينجح رئيس الوزراء في استمالة قطاعات واسعة منه فتخسر الحرية والتغيير مولد تقاسم النفوذ في المرحلة المقبلة حسب وصفه، لذا اللقاء يفهم في سياق المحافظة على الحظوظ مع كل الجبهات وتوزيع البيض على عدد من السلال.
وكان المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير نفى عبر بيان له تسميته للاجتماع مع دكتور حمدوك سابقاً أثناء فترة إقامته الجبرية أو حتى اللقاء الأخير الذي تناقلته وسائل الإعلام، وأن من قابله لا يملك تفويضا بتمثيل المجلس المركزي القيادي أثناء مباحثاتهم وتفاوضهم مع الانقلابيين ودكتور حمدوك بحسب البيان، كما أشار المركزي إلى أن للحرية والتغيير هياكل متخصصة منها لجنة الاتصال السياسي التي تعمل وفق موقف ورؤية المجلس المركزي في العملية السياسية، ولجنة للإعلام تعبر عن مواقفه والمجلس المركزي يجدد موقفه الرافض للتفاوض والشراكة مع الانقلابيين كما أنه لن يمنحهم الشرعية.
ويرى مراقبون ان لقاء بعض القيادات المحسوبة على المجلس المركزي برئيس الوزراء بدون تفويض من المجلس ربما يقود إلى انشقاق جديد ثالث في أروقة قوى إعلان الحرية والتغيير، لتكون بمثابة حاضنة جديدة لحكومة الانقلاب الأخيرة المتوقع تكوينها في غضون الأيام القريبة المقبلة.
المصدر: القدس العربي