تزداد المخاوف لدى المزارعين السودانيين من فشل الموسم الزراعي الصيفي هذا العام، بسبب غياب التمويل الحكومي لشراء التقاوي (أشتال) والأسمدة وحراثة الأرض، بالإضافة إلى معوقات أخرى فرضتها الحرب التي اندلعت في البلاد بين الجيش و«الدعم السريع» منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي.
وقال مزارعون في ولاية سنار لـ«القدس العربي» إن البنك الزراعي لم يقدم حتى الآن أي تمويلات لشراء التقاوي أو لنظافة الأرض، ولم يتبقى سواء أيام قليلة للتجهيزات والعمليات الزراعية والتي إذا انقضى وقتها لن ينجح أي محصول.
وأوضح مزارعون آخرون في المشاريع المروية، إن هناك مشاكل في توفير الوقود ووصول المياه نسبة لعدم نظافة قنوات الري، مشيرين إلى قيام بعض المزارعين بفتح القنوات بالجهد الذاتي مما قد يزيد تكاليف الانتاج عليهم خاصة في ظل غياب التمويل. قمرالدين الحاج، الذي يعمل مزارع في ولاية القضارف، قال: «في الظروف العادية خلال السنوات الماضية، كنا نواجه مشاكل في التمويل البنكي والحصول على التقاوي والاسمدة وبيع المحصول، أما هذا الموسم التي تشهد فيه البلاد حربا، فالأمر صعب للغاية، لم أحصل على تمويل بنكي».
ويتوقع مراقبون، أن تتناقص المساحات المستهدفة بالزراعة في العروة الصيفية الحالية هذا العام في السودان بسبب ارتفاع تكلفة عمليات التحضير وغياب التمويل، محذرين من أن يتسبب ذلك في تفاقم حالة الانعدام للأمن الغذائي ويزداد الجوع في جميع أنحاء البلاد.
وفي وقت سابق، أقر محافظ مشروع الجزيرة الزراعي – تزيد مساحته عن مليوني فدان – عمر مرزوق، بوجود صعوبات في توفير التمويل في الظروف الحالية التي تمر بها البلاد، لكنه يأمل في أن تسعى اللجنة العليا لإنجاح الموسم الزراعي الصيفي إلى توفير التمويل. وقال في تصريح صحافي، إن أكثر من 500 ألف فدان ستكون خارج الخدمة بسبب عدم التحضير للزراعة مع دخول موسم الأمطار
يشار أن الحكومة السودانية أعلنت في الأسابيع الأول من اندلاع الحرب، عن تكوين لجنة عليا لانجاح الموسم الزراعي تعنى بتوفير التمويل والمدخلات الزراعية المطلوبة من تقاوي وأسمدة ومبيدات.
وكانت قد أعلنت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، أنها تحتاج على وجه السرعة إلى مبلغ (95.4) ملايين دولار أمريكي للمساعدة في تزويد المزارعين بالبذور وبالمعدات الزراعية وحماية قطعان المواشي للرعاة وتجديد مواردها. وقالت أنها تسعى في القريب العاجل إلى مساعدة أكثر من مليون مزارع من المزارعين الضعفاء وعائلاتهم (أي ما مجموعه خمسة ملايين شخص) من الآن وحتى نهاية يوليو/تموز، عبر تزويدهم ببذور الحبوب (الذرة الرفيعة والدخن) وبذور البامية لزرعها في الفترة من يونيو/حزيران إلى يوليو/تموز 2023 في الولايات الـ14 للبلاد. وتقدر المنظمة أن توزيع البذور بكمية تبلغ في مجموعها (9600) طن على الأسر الزراعية الأكثر ضعفًا في شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز، أن يسمح للمزارعين الضعفاء بزراعة وإنتاج ما يكفي من الأغذية (ما يصل إلى 3 ملايين طن من الحبوب) خلال الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني إلى ديسمبر/كانون الأول 2023، لتغطية احتياجات ما بين 13 و19 مليون شخص من الحبوب.
وحذر الأمين العام للجامعة العربية، أحمد ابو الغيط، الخميس، من خطورة تاثير النواع القائم على الأمن الغذائي السوداني والعربي.
وأشار في بيان للجامعة العربية عقب لقائه مدير المنظمة العربية للتنمية الزراعية، إبراهيم الدخيري، إلى أن هذه الأوضاع الخطيرة تستدعي سرعة التحرك عربيا ودوليا.
وتطرح المنظمة العربية للتنمية الزراعية خطة إنقاذ الموسم الزراعي السوداني بالتعاون مع الأمانة العامة للجامعة وتهدف إلى تأمين التجارة و سلاسل الإمداد بالحبوب والمنتجات الغذائية. وقال المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية جمال رشدي، إن خطة الإنقاذ المعدة تستهدف بشكل أساسي تمكين المزارعين السودانيين من تصدير سلعهم محليا و في دول الجوار.
الصحافي والمهتم بالقطاع الزراعي في السودان، محمد سلمان، بين أن الموسم الزراعي في القضارف شرقي السودان – التي تعد من أهم الولايات الزراعية في البلاد – يوجه تحديات عصيبة، باعتبار أنه يأتي في وقت تشهد فيه البلاد حرب ضروس في العاصمة وبعض الأقاليم غرب البلاد.
ولفت أن الحروب عادة ما تصاحبها مجاعة وفجوات غذائية وهو ما حذر الخبراء من حدوثه في السودان، لكن الدولة ليست لديها القدرة على التدخل في هذا الأمر.
وقال لـ«القدس العربي»: «أكبر التحديات التي واجهت المزارعين في القطاع المطري، الذي يعتمد عليه بشكل رئيسي في توفير الغذاء في السودان، كانت مشكلة التمويل الزراعي، وكيف يحصل المزارعين على التمويل في ظل خروج عدد من البنوك من الخدمة، وتأثر رئاساتها، وخدماتها بظروف الحرب».
وأضاف:»أيضا من المشاكل التي تواجه الموسم الزراعي نقص المبيدات بنسبة تعادل نحو (50٪) من الاحتياج الفعلي، ونجد أن عدد كبير من هذه المبيدات والمداخلات الزراعية بمخازن الشركات بالخرطوم، لكن الحرب صعبت نقلها وترحيلها».
وتابع: «المؤسسات الحكومية التي تشرف على العملية الزراعية يكاد العمل فيها في أضعف حالاته بسبب عجز الدولة عن توفير مرتبات العاملين لنحو 4 أشهر، كذلك إدارة وقاية النبات وهي تتبع للإدارة الإتحادية تواجه شح في الإمكانيات ونقص في مبيدات مكافحة بعض الآفات بجانب ضعف في اسطول طائرات الرش وعدم توفر الوقود لها».
وحسب سلمان، يعاني المزارعين هذه الأيام أيضا من شح النقد، مشيرا إلى ان عمليات النهب الواسعة التي قامت بها «الدعم السريع» والمجرمين والتي طالت البنوك والمصارف ومنازل المواطنين، فضلاً عن خروج معظم البنوك في الخرطوم والولايات من الخدمة، هذا أدي إلى أزمة في النقد «الكاش» خاصةً في البنوك التي تمول المزارعين الذين يحتاجون إلى النقد هذه التوقيت بصورة كبيرة. مبينا في الوقت نفسه أن سقف الصرف اليومي في معظم البنوك لايتجاوز مبلغ (100) ألف جنيه سوداني.
وأوضح أن حاجة المزراعين الطالبين للتمويل تقدر بنحو (300) تريليون جنيه سوداني، وأن ما تم توفيره حتى الآن في حدود (25٪) من هذا المبلغ، حيث عجز البنك الزراعي عن توفير التمويل النقدي للمزارعين، بسبب الظروف التي تمر بها البلاد، وضعف رأس مال البنك.
ونوه إلى دخول بعض البنوك التجارية في التمويل الزراعي مثل مصرف المزارع التجاري ووبنك التصامن الاسلامي، لكن بنسبة ضيئلة، بينما كانت المساهمة الأكبر لبنك النيل، لافتا إلى دخول بعض الجمعيات على خط توفير التمويل وفي إطار جهود محاربة نقص الغذاء.
ووفقا له «النازحين القادمين من العاصمة الخرطوم ومن دارفور إلى ولايات أخرى، جزء كبير منهم، فقد عمله بسبب الحرب، ولكنه لم يتمكن من الحصول على عمل في أماكن النزوح، وحتى مبادرة القضارف، أكبر ولايات الزراعة المطرية، لتمكين (10) آلاف من الوافدين من الخرطوم للولاية من الزراعة، فشلت بسبب عدم وجود التمويل، وعدم توفير آليات لهولاء النازحين».
المصدر: القدس العربي