أخبار السودان:
وجود القيادة العامة داخل العاصمة الخرطوم وفي منطقة حيوية حولها لمشكلة، فكلما كان هناك حراك أغلق شارع القيادة واحدث ذلك شللا في الخرطوم، الأسوأ أن القيادة العامة ومنذ فض الاعتصام أصبحت ساحة للصدام، ومحطة للاستفزاز المتبادل بين العسكر والمدنيين، وهو صدام ينتهي في غالب الأحوال بإطلاق الرصاص وسقوط الشهداء.
نظام الانقاذ استخدم آلة البطش وسفك الدماء في مواجهة الثورة لعلمه ان سقوطه يعني السجون والمقاصل، ولكن ثلاث عوامل حسمت سقوطه، إصرار الشعب على الخلاص، امتناع الدعم السريع عن المشاركة في قمع المظاهرات، انحياز اللجنة الأمنية بكاملها للجماهير في ٦ أبريل، لولا هذه الثلاثية لكان مصير السودان اليوم اشبه بمصير سوريا او ليبيا او اليمن. هذه هي صورة الثورة الحقيقية بعيدا عن المزايدة والعاطفية والغوغائية، وهي صورة قادت إلى الشراكة بين المكونات الثلاثة (الشعب وتمثله قوى الحرية والتغيير، الدعم السريع، والجيش).
كان يمكن أن تمضي الأمور بسلاسة وتعبر الفترة الانتقالية نحو الانتخابات كما عبرت أبريل واكتوبر، ولكن هذه الصورة الثورية واجهت رفضا من تيار سياسي بعينه ومن بعض منظومات الناشطين، قاد هذا الرفض إلى تصعيد غير مبرر، وتعبئة عاطفية للشباب المدني ضد العسكر الذين لهم دور ايضا في انتصار الثورة، هذا التيار العبثي استثمر ذخيرة الهتاف المستفز للعسكر، وأعلن منذ وقت مبكر ان اللجنة الأمنية هي نظام البشير نفسه، وكأن الذي يحاكم في السجن وأمام القاضي والكاميرات ليس هو البشير !!، وكأنما وجود علي عثمان ونافع وبقية الزبانية خلف القضبان مسرحية هزلية!!
التيار الرافض حول الشراكة إلى عداوة، وكانت النتيجة سيلا من الدماء، هذا التيار المدني الرافض للشراكة واجهه من الناحية الأخرى تيار عسكري ليس من مصلحته انتصار الثورة، وليس من مصلحته ان يحكم السودان بالديمقراطية المدنية، ويتم تجريده من امتيازات عديدة لن يحصل عليها الا عبر نظام شمولي يوجه ميزانية الدولة لخدمة الأجندة العسكرية ولارضاء العساكر، هذا التيار العسكري كلما ارتفعت وتيرة استفزاز المدنيين رفع سلاحه وأطلق النيران، وهكذا أصبح السودان بين فكي تيارين متناحرين مدني وعسكري، يتعاركان لأسباب عبثية واجندة ذاتية بعيدة عن اجندة الوطن، والذي يدفع الثمن استشهادا هو الشباب الغض المليء بالحماس.
اثناء الثورة وحتى اليوم ظهر على الشارع خطاب استفزازي في شكل اشعار وهتافات جميعها (شتيمة) وبصورة غير لائقة لافراد القوات المسلحة، هذا الخطاب لم يواجه بالانتقاد الملائم ولم يعزل من قبل الثوار، بعض الشباب يهتفون في وجه العسكر باتهامات وشتائم تصل في بعض الأحيان مرحلة وصف الجنود بأنهم غير سودانيين او أبناء زنا !!! هذا الخطاب مستفز لأبعد الحدود ولا يتحمله شخص سوداني، وهو خطاب لا يشبه الثورة ولا رساليتها، واستمرار وجوده يدل على انه خطاب مقصود ومدبر، من الجانب الآخر استمرار العسكر في استخدام القوة المميتة في مواجهة الاستفزاز الشفاهي هو عمل مقصود ومدبر ويحتاج لحسم وحزم وتقديم الجناة للعدالة.
المعالجات التي قد تخفف التوتر وتصرف الجميع عن الاستفزاز والرد عليه، على رأسها تقليل فرص الاحتكاك بين المدنيين والعسكر عبر ترحيل مقر القيادة العامة للجيش خارج العاصمة، تدريب الشرطة على مواجهة التظاهرات بدون الاستجابة للاستفزاز وبدون استخدام مفرط للقوة، نقد الخطاب الجماهيري الشبابي المنتشر في الشارع والذي يردده البعض بلا وعي وهو خطاب مملوء بالاستفزاز ويدعو إلى تعميق الانقسام وزرع الكراهية وزيادة فرص الصدام، وأخيرا العمل على إقامة الانتخابات العامة في اقرب فرصة ممكنة.