ضربت سيول وأمطار عنيفة عدداً من ولايات البلاد، أسفرت عن قتلى وإصابة العشرات ودمرت آلاف المنازل، وفي الوقت ذاته كشف متحدثون لـ(اليوم التالي) عن أسباب السيول والفيضانات، ووضعوا حلولاً من الكارثة أبرزها الاستعانة بها بالخبراء وعمل دراسات تحضيرية وخرائط كنتورية توضح مناطق الخطر وأساليب التدخل، بجانب تطوير وتحديث هيئة الدفاع المدن وإصدار نداء إغاثة للمنظمات والدول لتوفير الخدمات اللازمة للمنكوبين من السيول والفيضانات، وتشكيل غرفة طوارئ تعمل 24 ساعة، وحملوا الحكومات السابقة والحالية مسؤولية الكارثة، وقالوا : إنها فشلت في الاهتمام بالبنية التحتية والتخطيط العمراني السليم لكل مدن وقرى السودان.
غياب التحضير
إن حالة الغرق والسيول التي تعرضت لها عدد من المناطق بشكل غير مسبوق نتيجة إهمال سلطة الأمر الواقع الانقلابية وفشلها الذريع في القيام بأي ترتيبات استباقية لفصل الخريف وتشغيل السدود وفتح القنوات والترع وتنظيفها، أو الاستجابة لتحذيرات المواطنين بتصدع السدود المحلية كما حدث في جنوب دارفور، ومجمل هذا الفشل يضاف لرصيد انقلاب ٢٥ اكتوبر الماضي، هذا ما ذهب إليه عضو المكتب السياسي في حزب المؤتمر السوداني نور الدين صلاح الدين، وقال لـ(اليوم التالي) إن تداعيات الأحوال الإنسانية والصحية تتفاقم بشكل مريع في محلية المناقل بولاية الجزيرة، وجنوب دارفور، ونهر النيل، وكسلا، والنيل الأبيض، وجنوب كردفان، تنذر بمزيد من السوء وحدوث أضرارٍ صحية وبيئية؛ مع توقعات إزدياد مناسيب النيل خلال الأسبوع الأخير من الشهر الجاري وارتفاع معدلات هطول الأمطار، وطبقاً لنور الدين أو أن فشل الانقلاب لم يقتصر على انعدام التحضير والتجهيز، بل شمل الصمت والسكوت التام حيال الكارثة مواصلاً استهتاره واستخفافه بحياة الناس، وطالب بتضافر الجهد والعون الشعبي للتصدي لكارثة، وإعلان البلاد منطقة كوارث لجلب واستقطاب العون الإقليمي والدولي لإغاثة وإعانة المنكوبين في كل أنحاء البلاد، والتحوط المبكر لمجابهة التداعيات اللاحقة وانتشار الأوبئة والأمراض، علاوة على فتح تحقيق شفاف، بمشاركة شعبية بعد تجاوز المحنة، لمعرفة أسباب وأوجه القصور ومحاسبة الجهات التي تسببت في تفاقم الكوارث التي كان نصيب تقصير السلطة سببها الأساسي للوضع الكارثي الحالي غير المسبوق.
أسباب وحلول
وفي الاتجاه ذاته.. كشف خبير المياه والسدود البروف الصادق شرفي؛ أسباب السيول والفيضانات التي غمرت البلاد أبرزها بناء وتشييد المنازل على مجاري السيول في كثير من المناطق، والإهمال، وعدم وجود الآليات لنظافة الترع، وغياب التنسيق بين الجهات المختصة وترك المواطنين لمصيرهم، فضلاً عن عدم وجود خرائط توضح مناطق الخطر ووجود عيوب وأخطاء هندسية في تصميم وإنشاء الطرق، ورهن شرفي في حديثه لـ(اليوم التالي) حل كارثة السيول والفيضانات عبر الاستعانة بالخبراء، وعمل دراسات تحضيرية وخرائط كنتورية توضح مناطق الخطر وأساليب التدخل، بجانب تطوير وتحديث الدفاع المدني بدخول جهات مختلفة من كوادر هندسية واستشعار عن بعد، وعمل جهاز تخطيطي لمصارف مياه الأمطار، وقال خبير المياه إن هطول الأمطار أعلى من المعدل، ولا يمكن لها أن تؤدي إلى أضرار بليغة. وفي الوقت ذاته.. نفى وجود علاقة لسد النهضة بالسيول والفيضانات؛ لجهة أنه بحيرة صغيرة لا يتجاوز تأثيرها 15% على المناطق التي تحيط به، لافتاً إلى وجود آثار إيجابية للسد تتمثل في تخفيف الأضرار على المناطق النيلية وأن ولاية الخرطوم أقل ضرراً من الفيضان.
نداء إغاثة
ولم يذهب المحلل السياسي عبدالقادر محمود بعيداً؛ إذ طالب الدولة بضرورة إصدار نداء إغاثة لكل المنظمات الإغاثية والدول لتوفير الخدمات اللازمة للمنكوبين من السيول والفيضانات، وتشكيل غرفة طوارئ تعمل 24 ساعة لإدارة الكارثة، وبحسب محمود في حديثه لـ(اليوم التالي) إن المسؤول عن الكارثة الدولة التي فشلت في الاهتمام بالبنية التحتية والتخطيط العمراني السليم لكل مدن وقرى السودان، وذكر أن الفشل رافقه فساد وإهمال متعمد من قبل الحكومة السابقة والراهنة، سيما وأن البلدان المتقدمة تعطي اهتماماً كبيراً بالبنية التحتية بكل أشكالها؛ بما فيها التخطيط العمراني السليم (Master Plan) لكل مدينة مع أنظمة التصريف والمجاري والطرق الملائمة مع بيئتها، وأضاف.. إن الأمر الذى دفع السودان على غير ما هو سائد في بلدان أخرى، وقال المحلل السياسي إن فشل السلطة الراهنة في إدارة الكوارث، يؤكد عجزها الكامل في إدارة الدولة. لذلك ينبغي عليها تسليم إدارة الدولة للمكون المدني الذي يستطيع الاضطلاع بدوره المنوط به في معالجة أزمة البنية التحتية لكل مدن وقرى السودان، نتيجة لانشغالها بقمع الثورة وببقائها في الحكم وصراعها مع قوى الثورة.
مساعدات ضعيفة
وبدوره انتقد القانوني المعز حضرة بطء وصول مساعدات الدولة لمنكوبي السيول والفيضانات، وقال إنها ضعيفة ومتأخرة؛ لجهة أن المساعدات الدولية وصلت قبل المحلية، وأضاف حضرة في إفادة لـ(اليوم التالي) أن البطء ناتج من غياب الحكومة المدنية في السودان، وتابع.. ما يحدث فشل يضاف لحكومة الانقلاب العسكرية التي مهمتها التنفيذ وليس تقديم الحلول، وحمل قطاع السدود والخزانات بالدولة مسؤولية ما وصفه بالفشل، وطالب بفتح تحقيق حول إدارة الري في المناطق المنكوبة، مشيراً إلى أن ما حدث في الناقل ليس سيولاً إنما فيضانات من الترع الرئيسية لمشروع الجزيرة .
عون عاجل
وفي السياق ذاته… أكد المجلس المركزي لقوى الحرية والتغييير أنه يتابع بقلق بالغ الأوضاع التي وصفها بالكارثية والمأساوية التي تعيشها اجزاء واسعة من البلاد جراء السيول والأمطار في مناطق عديدة، الأمر الذي نتج عنه تدمير آلافٍ من المنازل وتشريد مئات الآلاف من الأسر من مناطقهم، وتعهدت بالتواصل مع الأطراف الإقليمية والدولية لمد يد العون العاجل للمتضررين، وقالت – في بيان لها تحصلت (اليوم التالي) على نسخة منه – إن هذه الوقائع تثبت أكثر من أي وقت مضى. أن استمرار الانقلاب لن يورث البلاد إلا الخراب ويوردها موارد الهلاك؛ ولا فرصة لمستقبل أفضل إلا بإنهائه وهزيمتهِ واستعادة الانتقال المدني الديمقراطي، وشدد البيان على ضرورة تضافر الجهد والعون الشعبي للتصدي لما وصفتها بالكارثة وإعلان البلاد منطقة كوارث من أجل جلب واستقطاب العون الإقليمي والدولي لإغاثة وإعانة المنكوبين في كل أنحاء البلاد.
تسخير إمكانيات
ومن جهتها.. أكدت وزارة الري والموارد المائية قطع مياه الري بترعة المناقل وفروعها منذ اللحظات الأولى لتدفق السيول والأمطار ليصل المنسوب بالقنوات إلى الصفر وحتى اليوم عدا تمرير مياه الشرب للمواطنين بقرى المنال، وأعلن مدير عام عمليات الري المهندس مستشار قسم الله خلف الله تسخير إمكانيات الوزارة المتاحة لمعالجة طريق مدني المناقل؛ الذي انقطع بسبب تلك الأمطار والسيول، مؤكداً وقوف الوزارة لحماية القرى بإنشاء الجسور الواقية وفتح المصارف، موضحاً المجهودات التي بذلتها الوزارة لتخفيف الضرر على القرى التي تأثرت، مشيراً إلى تأثر محلية المناقل بالسيول والأمطار القادمة من أعالي هضبة المناقل ومن جبل موية بولاية سنار؛ وأكد خلف الله متابعتهم للأوضاع المأساوية التي خلفتها السيول .
حملة جماهيرية
فيما حمل الحزب الشيوعي الحكومة مسؤولية الكارثة نتيجة إهمال التحذيرات وعدم اتخاذ التحوطات اللأزمة لمواجهة الأمطار التي أدت إلى هدم آلاف المنازل وتشريد آلالاف من المواطنين ووفاة أكثر من (78) شخصاً وقطع بعض الطرق وتدمير آلاف الأفدنة من المزارع ونفوق الماشية، وطالب الشيوعي – في بيان له؛ حصل (اليوم التالي) على نسخة منه – بحملة جماهيرية وتكوين اللجان الشعبية في مواقع الكوارث للتصدي لآثار الكارثة وإعلان السودان منطقة كوارث لضمان وصول المساعدات من دول العالم للمناطق والقرى المتأثرة لدرء آثار الكوارث وتوفير الغذاء والدواء والخدمات الصحية والمياه الصالحة للشرب والخيام للمشردين، بالإضافة إلى تعويض مجزٍ للمتضررين الذين فقدوا منازلهم وممتلكاتهم ومزارعهم ومواشيهم وضرورة التقصي الدقيق فيما حدث بالمناقل، ودعا البيان القوى الديمقراطية والشعب للمشاركة بفعالية في التصدي للكارثة مع قطاعات المهن الصحية لمواجهة آثار السيول من أمراض وأضرار صحية وحماية البيئة من آثار البعوض والباب، فضلاً عن ضرورة إصلاح المرافق الصحية والتعليمية والطرق التي جرفتها السيول.
سيول وأمطار.
وفي وقت سابق ضربت سيول وأمطار عنيفة عدداً من الولايات منذ مطلع الشهر الجاري، وأسفرت عن مقتل أكثر من 78 شخصاً وتدمير 14500 منزل، وأعلنت هيئة الدفاع المدني ارتفاع ضحايا الأمطار والسيول لنحو 79 قتيلاً وإصابة العشرات، وانهيار أكثر من 15 ألف منزل بشكل كامل وانهيار جزئي لنحو 22 ألف منزل في المناطق المتضررة، وفقدت 30 ألف أسرة منازلها بالكامل، بجانب غرق 110 آلاف فدان بمناطق الولاية المختلفة و33 مرفقاً وعشرات المزارع ونفوق ما يفوق الـ100 من الماشية” فيما بدأ الجيش عملية إنقاذ جوي للمتأثرين في مدينة المناقل ولاية الجزيرة، وفقاً للمجلس القومي للدفاع المدني فإن الولايات الأكثر تأثيراً بالسيول والأمطار هي: نهر النيل، والجزيرة، وكسلا وسنار وأوصى المجلس، بعد إجتماع طارئ، بحصر جميع الدعم الموجود من مواد الإيواء وغيرها وتوزيعها بعدالة، وعاجلاً للولايات الأكثر تأثيراً بالسيول والأمطار، وأعلنت السلطات أن محلية المناقل بولاية الجزيرة “منطقة كوارث” جراء السيول والأمطار التي اجتاحتها، وأسفرت عن خسائر بشرية ومادية، وأوضحت وزارة التنمية الاجتماعية أن هناك احتياجات عاجلة للغذاء وإيواء متضرري السيول، وناشدت المنظمات والدول الصديقة المساعدة، وأنه حال تعذر فتح الطرق قد تلجأ السلطات إلى فتح جسر جوي، بينما حذرت هيئة الأرصاد الجوية في البلاد من أن أمطار موسم هذا العام ستكون أعلى، وأن السيول المفاجئة قد تضرب أغلب الولايات، مما يتطلب أخذ الحيطة والحذر خاصة في المناطق المنخفضة.
المصدر: اليوم التالي