جدّد الاتحاد الأفريقي مساعيه لجهة وقف القتال في السودان، في وقت يقول مراقبون إن تعنت، قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان ورهانه على الحسم العسكري رغم الخسارة الميدانية الفادحة التي تكبدتها قواته، يقف عقبة أمام المضي قدما لوقف الحرب.
وأجرى وفد الآلية الأفريقية رفيعة المستوى الخاصة بالسودان، التابعة للاتحاد الأفريقي، مباحثات جديدة مع البرهان الأحد، وسط تقارير عن إيصال رسالة صارمة للدفع في اتجاه إنهاء الحرب.
وجاءت زيارة وفد الآلية الأفريقية لبورتسودان (مقر إقامة البرهان) بعد تبلور رؤية لدى المنظمة ترى أن الحل الوحيد المتاح للأزمة السودانية هو الوقف الفوري لإطلاق النار والعودة إلى المفاوضات والرضوخ لمقررات قمتي “إيغاد” في ديسمبر ويناير والتي تضمنت حلولا تبدأ بعقد لقاء مباشر بين البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) برعاية إقليمية ودولية لإنهاء الحرب وفق آلية تقوم على الفصل بين القوتين المتحاربتين وإخراج قواتهما خارج جميع المدن وتجميعها في معسكرات محددة والتمهيد لعملية سياسية خلال شهر من الانتهاء من عملية التجميع وإعادة اعتقال كافة عناصر النظام السابق المطلوبين للمحكمة الجنائية.
وتأتي هذه التطورات في أعقاب تسريبات عن اتفاق وشيك يجعل قادة الجيش والدعم السريع جزءا من تسوية سياسية ويمنحهم حصانة ضد الملاحقة القانونية في جرائم سابقة، لكن مصادر سودانية أشارت لوسائل إعلام دولية إلى عدم دقة هذه التسريبات.
الزيارات الخارجية للبرهان مؤخراً شهدت تفاهمات لتضييق الخناق على الدعم السريع
وقال وزير الخارجية السوداني علي الصادق، في بيان لمجلس السيادة الانتقالي أن “رئيس الآلية الأفريقية عقد لقاءات خلال الفترة الماضية مع قادة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، حيث وقف على الرؤى والأفكار بشأن وقف الحرب وإعادة السلام والاستقرار في السودان”.
وأضاف أن “ الزيارة تأتي لإطلاع رئيس المجلس السيادة على ما قامت به الآلية من جهود في هذا الصدد، وذلك في سبيل بلورة تصور للحل يتم طرحه على جميع الأطراف ويفضي إلى تحقيق السلام والاستقرار بالبلاد”.
وهذا اللقاء الثاني للآلية الأفريقية بالبرهان، حيث زار وفدها البلاد في 3 مارس الجاري، وبحث تطورات الأوضاع في البلاد.
وشكلت مفوضية الاتحاد الأفريقي في 18 يناير الماضي آلية رفيعة المستوى من أجل استعادة الاستقرار والنظام الدستوري في السودان، على أن تعمل مع الأطراف العسكرية والقوى المدنية والمجتمع الإقليمي والدولي لتنفيذ ولايتها.
ولم يرشح الكثير عن النقاط التي تم طرحها خلال الاجتماع، لكن محللين يشيرون إلى أن البرهان ربما أعاد ربطه الانفتاح على مبادرات الاتحاد الأفريقي للتسوية باستعادة عضوية السودان في التكتل القاري.
تشكيك في تجاوب البرهان مع أي مبادرة أفريقية لا تخدمه سياسيا، فيما تشير دوائر إلى أنه اتخذ قراره بحشد قواته وحلفائه للحسم
ويبحث البرهان من خلال استعادة العضوية في الاتحاد الأفريقي إلى “انتصار دبلوماسي” يخفف عنه الضغوط ويعيده إلى دائرة الفعل والاعتراف الإقليمي بعد فشل جولاته الإقليمية الأخيرة في استنهاض حلفاء.
ويرى مراقبون أن الشرط الذي وضعه البرهان مؤخرا أمام الآلية الثلاثية رفيعة المستوى قد يؤدي إلى تقويض الجهود الأفريقية، لكن آخرين يؤكدون أن الاتحاد يستند في جهوده الحالية على أنظمته ولوائحه التي تتيح له الانخراط في الجوانب المتعلقة بالحفاظ على الأمن والسلم، ووقف الحرب في أي بلد من بلدان القارة حتى وإن كانت مجمدة العضوية مثل السودان.
وكان الاتحاد الأفريقي قد أعلن في السابع والعشرين من أكتوبر 2021 تعليق عضوية السودان احتجاجا على الانقلاب الذي اطاح بالحكومة المدنية، لكنه ظل منخرطا في الجهود التي هدفت لإنهاء الأزمة السودانية وكثف من تلك الجهود في أعقاب اندلاع الحرب في منتصف أبريل، وسط مصاعب كبيرة واجهتها المبادرات الأفريقية خلال الأشهر الماضية.
ومنذ الأسابيع الأولى من الحرب، تكثفت مساعي الاتحاد الأفريقي والهيئة المعنية بالتنمية في أفريقيا “إيغاد” لوقف الحرب، لكن على الرغم من الدعم الدولي الكبير الذي وجدته لم تكلل تلك المساعي بالنجاح حتى الآن.
وفي الجانب الآخر عقدت “إيغاد” ثلاث قمم استثنائية منذ اندلاع الحرب، وتقول الهيئة إنها تسعى للجمع بين قائدي الجيش والدعم السريع في لقاء مباشر لوقف الحرب.
ويشكك محللون في تجاوب البرهان مع أي مبادرة أفريقية لا تخدمه سياسيا وميدانيا، سيما وأنه رفض في وقت سابق عدة مبادرات بتعلات مختلفة تصب جميعها في رغبته على مواصلة الحرب والاحتكام لحسم عسكري يبدو بعيد المنال.
وتسعى قيادة الجيش السوداني للوصول إلى توازن في القوى أمام قوات الدعم السريع التي استحوذت على مناطق كبيرة، والسير في المعارك والتفوق عسكريًا ثم سياسيًا والاستمرار في السلطة، وتقليص دور القوى المدنية إلى حين ترتيب مستقبل الحكم في البلاد.
وتشير دوائر قريبة من الجيش إلى أنه حسم أمره بالفعل بتوجيه الدفة نحو حشد قواته وحلفائه للحسم، وأن الزيارات الخارجية للبرهان مؤخراً شهدت تفاهمات لتضييق الخناق على الدعم السريع ومنع وصول الإمدادات إليها لتسهيل مهمة الجيش في تحقيق مكاسب تؤهله لفرض شروطه في أيّ مفاوضات.
المصدر:العرب