أخبار السودان :
بنك الحبوب.. تجربة تستحق الاحترام
سليمان منصور
لكل دولة العديد من الأشياء التي تمتلكها حصرا ، وتسعي للحفاظ عليها ، خاصة في الموارد الطبيعية وما يتعلق بها ، إذ تبقي هذه الأمور ملكا للأجيال القادمة ، و لايصح التفريط فيها بما يؤدي إلي فقدانها ، لذا فان جهودا جبارة تبذل من أجل عدم التعرض لهذه المقتنيات بما يؤدي الي الاضرار بها وربما تعريضها للفقدان او التلف.
ومن هذه الموارد الطبيعية الهامة التي لا تعوض بثمن العينات الأصلية من بذور الحبوب والمحاصيل التي بالمحافظة عليها تحافظ الدول على منتوجاتها وتفردها ، وبذلك تتوارث الاجيال هذه الثروات.
ولسوريا كما لغيرها من بلدان العالم بنكا للحبوب تحافظ فيه على أصول هذه البذور ، ويتم التعامل معها بطريقة خاصة تمنعها من الضياع ، وتجعلها قابلة للتكثير والاستفادة منها على مر الأزمان.
وأثناء اندلاع الحرب على سوريا تم تدمير بنك الحبوب في مدينة حلب ، وفقدت البلد الكثير من سلالات الحبوب الثمينة الموجودة بداخله ، والتي تحتاجها البلاد لادامة الزراعة ، لكن بنك حلب للحبوب عاد للعمل مجددا ، واستعاد نفس أصناف الحبوب التي تلفت بفعل تدميره ، كل ذلك بفضل ما يعرف بقبو الحبوب العالمي المخصص لإنقاذ البشرية من الجوع ، وهو قبو تحت الارض فيه اربع ملايين ونصف المليون نوع من الحبوب ، ويقع في مقاطعة لونغيربين بالنرويج ، في جوف احد الجبال بالقرب من القطب الشمالي ، وبداخله الغرفة الاهم في العالم ، وفيها ما يعادل ملياري ونصف المليار بذرة ، بينها سبعون الف نوع من الشعير ، ومائة وخمسون نوعا من الأرز ، ومائة وأربعين نوعا من القمح.
تتراوح الحرارة في المكان ما بين درجة تحت الصفر إلى ثمانية عشرة درجة تحت الصفر ، وفي الغرفة توجد رفوف النباتات ، وقد أرسلت كل دولة عينة حبوبها إلى المكان ، على أن يستعيدونها ان حدثت كارثة دمرت الزراعة نهائيا في بلادهم ، اما كيف يستعيدونها فيتم ذلك عن طريق استنساخ تلك العينة جينيا وإنتاج حبوب اكثر وزراعتها مجددا.
اختار العلماء مكان نفق الحبوب بعناية وذكاء ، ولأن تخزين الحبوب يحتاج إلى تجميدها على درجة برودة كبيرة ، وخشيتهم من حصول خلل ما ان جمدوها بنظام تبريد صناعي يؤدي لتلفها ، اختاروا لونغيربين قرب القطب الشمالي ، فذاك المكان شديد البرودة ، والأمثل للحفاظ على الحبوب سليمة ، هذا بالإضافة الي بعد المكان عن التجمعات البشرية الكبيرة ، وعليه لاخوف من حصول حرب إلى جانبه.
تحوى الغرفة حبوب جميع الدول حتى لو كانت متحاربة ، وحتى الدول التي تتعرض للحصار والعزلة ارسلت حبوبها أيضا.
بين جنبات الرفوف المليئة في الغرفة تجد رفا فارغا وهو الذي كان يحوي حبوبا من بنك الحبوب في حلب بسوريا ، وبعد أن دمرته الحرب وفقد مخزونه من الحبوب ، قام البنك العالمي في لونغيربين بإرسال ما عنده إلى سوريا لاعادة بناء بنك حبوب جديد ، وبالفعل تم الأمر ، وبدا بنك حلب للحبوب في إنتاج حبوبه ، ويامل الباحثون ان يتم في المستقبل استغلال مافي البنك من حبوب لإجراء عمليات تطوير وتزاوج بينها ، وإنتاج سلالات جديدة تساعد البشرية على الاستمرار حتى لاتجوع في المستقبل.
انها بحق تجربة انسانية فريدة تستحق الاشادة والتقدير.
سليمان منصور