ما هو المعيار لاختيار الحزمة التكنولوجية (package) ؟ من الصعوبة الاجابة على هذا السؤال ، وذلك لأن المعيار المناسب على مستوى المزرعة ربما لا يكون جيدا على مستوى المجتمع ، كما أن تبني نوع من التكنولوجيا ، لربما يعتمد على تبني نوعا آخرا لها . بمعنى آخر ، اذا قرر المرء استعمال السماد مثلا ، فهذا القرار يعتمد على استعداده لقبول نظام الري أو استعمال البذور المحسنة .
وبأخذنا هذه النقاط في الاعتبار ، سنحاول وضع بعض المعايير لاختيار التكنولوجيا.
معايير عامة :
يجب أن تسمح التكنولوجيا المستخدمة أن يستغل أي قطر الموارد المتوفرة له محلياً .
يجب أن تتوافق مع الامكانات المالية والفنية والذهنية للقطر .
لابد للتكنولوجيا ، أن تضع في الاعتبار المستوى الفني والتعليمي العام للذين يستخدمونها .
من المهم أن تكون أسعارها مناسبة ، ليتمكن غالبية الراغبين في استخدامها من شرائها .
يجب أن لا يؤدي استخدامها لزيادة في الفوارق .
معايير محددة :
لابد أن تكون التكنولوجيا مناسبة ، بمعنى أن تتصدى برامجها لمشاكل المزراعين والفلاحين.
يجب أن تكون مفهومة وتجد قبولا اقتصاديا ، واجتماعيا وثقافيا .
كلما كانت التكنولوجيا قابلة للتقسيم والتجزئة (divisible ( كلما كانت محايدة بالنسبة للمساحة التي تستعمل فيها . لذلك من الضروري معرفة درجة قابليتها للتجزئة والتقسيم . فهنالك بعض التكنولوجيا التي من الممكن تبنيها في وحدات أصغر ، كالتكنولوجيا الكيماوية ، ولكن هذا لا ينطبق على التكنولوجيا الميكانيكية .
لابد أن تتوفر للمستفيد النهائي (end user) القدرة على التعامل مع التكنولوجيا ، كالمهارات الفنية والقدرة المالية .
يجب أن يثق المستفيد النهائي ، في الشروط المطلوبة لنجاح تبني التكنولوجيا . بمعنى آخر ، لابد من توفير الشروط الضرورية ، كتزويد المدخلات وتوفير الدعم الفني ، والخدمات بصورة مضمونة .
ضرورة وجود منظمات محلية بعينها ، كدرع واقي للفلاحين . المقصود هنا ليس فقط ، أعدادا أكثر أو دعما فنيا أكبر . فأهمية هذه المنظمات المحلية ، تنبع من صعوبة توفير الخدمات للمزارعين المبعثرين في غياب هذه المنظمات . إذن فوجود هذه المنظمات المحلية ، يساعد في تبني التكنولوجيا لتسهيل عملية إستخدامها. ولكن على الرغم من أهمية الأطر المؤسسية الريفية لتبني التكنولوجيا ، نجد أن التدخل الحكومي الزائد عن المعقول ، يعزل المنتجين ويجعل هذه المنظمات غير فاعلة.
فعالية هذه البرامج والحزم التكنولوجية ، تتطلب أن تكون ذات طبيعة شاملة (comprehensive) ، بحيث تشتمل على جوانب فنية وادارية وتتوفر فيها المشاركة.
بعض الاجراءات الاخرى التي تساعد في علاج اختيار التكنولوجيا بالمناطق الريفية:
اختيار المستفيد النهائي للتكنولوجيا ، يمثل الشرط الاساسي لتبنيها . فعليه ، ا ذا افتقد الشروط الاساسية لتبني التكنولوجيا المناسبة له ، لابد من أن تتخذ الحكومة الاجراءات اللازمة لتوفير هذه الشروط . والتي تهتم بتوفير المدخلات ، والائتمان ، وتسويق الانتاج ، وتوفير البنية التحتية المادية كصوامع الحبوب ، والصوامع الصغيرة في المزارع (farm bins) ، والطرق المغذية ، وتوفير الخدمات البيطرية والارشاد الزراعي وتكوين التنظيمات الزراعية . فالمزراعون يحتاجون لضمانات لتواصل توفير المدخلات لهم . فما يحتاجون له ، يجب أن يتوفر في الوقت المناسب . وبالمثل ، لابد من توفير المنافذ التسويقية للانتاج بصورة عاجلة ، خاصة وأن إستعمال التكنولوجيا التحويلية (processing) بواسطة المنتجين ، توسع من الانتاج السلعي للسوق .
إن دور الإرشاد الزراعي ، مسألة في غاية الأهمية لتبني التكنولوجيا .
في البداية ، على الارشاد الزراعي تقديم ملامح التكنولوجيا وطرق التعامل معها . فعلي أساس الارشاد الزراعي ، يستطيع المستفيد النهائي معرفة الكمية التي يحتاج إليها من المدخلات والكيفية التي يتمكن بها من تسويق إنتاجه . ومن ثم ، يستطيع الناس أن يقرروا إمكانية تبني التكنولوجيا والبدء في البحث عن التمويل الإضافي للاستثمار إذا كانت هنالك حاجة له .
مهام ضرورية لتعبئة الفائض الاقتصادي السوداني : (راجع : رسالتي الدكتوراة : للدكتور عبد المحسن صالح مصطفى ، جامعة ليدز ، ورسالة الدكتوراة لصاحب هذه الدراسة أكاديمية العلوم المجرية).
الاقتراحات المقدمة أعلاه ، لتحول وإصلاح الهياكل الاقتصادية والاجتماعية بالسودان ، كما هو معلوم تتطلب موارد ضخمة ، ولا نتوقع أن تكون الموارد الاجنبية كافية لذلك على الرغم من تحقيق السلام . ولكننا ، نعتقد إن للسودان فائضا اقتصاديا حقيقيا وكامنا ضخما .
مفهومي الفائض الاقتصادي الحقيقي والكامن ، يرجعان للبروفسير بول باران في كتابه الاقتصاد السياسي للنمو . فالفائض الاقتصادي الحقيقي لأي مجتمع يمثل الفرق بين الانتاج الجاري (current ) الحقيقي ، والاستهلاك الجاري الحقيقي . بهذا المعنى يتطابق الفائض الاقتصادي الحقيقي مع التوفير الجاري ( current saving) أو التراكم (accumulation ) .
وبناء على هذا التفسير سنقترح الاجراءات التالية لتعبئة الفائض الاقتصادي :
زيادة نصيب السودان في الموارد النفطية بمراجعة الاتفاقيات .
اصلاح القطاع التقليدي .
فرض الضرائب التصاعدية العادلة .
الحد من الاستغلال في مشاريع القطاع الحديث .
تبني نظام ضرائبي تصاعدي (progressive taxation) ، وسياسات أسعار ذات محتوى طبقي ، تطبق على الورش المبعثرة والمصانع الكبيرة لتحويل جزءاً من الفائض المولد للتنمية الصناعية والزراعية .
فرض الضرائب التصاعدية على التوزيع (distribution) ، والنشاطات الخدمية مع تشجيع المشاركة الشعبية في إدارة التعاونيات على مستوى التجمعات الاستهلاكية (consumer compounds) الدائمة والمتحركة منها .
إعادة استثمار جزءً كبير من الارباح المتراكمة في أيدي المستثمرين الأجانب ، في مجالات يتم تحديدها وطنيا مع دفع جزءاً من الفوائد لهم بالعملة المحلية لتنشيط الاقتصاد السوداني .
من الممكن ايضا البحث عن الفائض الاقتصادي المحتمل أو الكامن للسودان في مجالات الاستهلاك والانفاق غير الضروري . في هذا الخصوص ، من الضروري تبني سياسة سعرية للتأثير على أسعار المواد الغذائية من خلال منح الحوافز لصغار المنتجين ، بالاضافة لمنح سلع غذائية بأسعار معقولة لجماهير العمال لرفع دخلهم الحقيقي. وبنفس القدر ، لابد من تحديد مستوى الاحتياجات الاساسية للجماهير ، والتي على ضوئها يمكن رسم سياسة اقتصادية للاستيراد تهتم بذوي الدخول الدنيا . من أهم أهداف هذه السياسة ، التخفيض الجاد لاستيراد السلع الاستهلاكية الكمالية وغير الضرورية ، والذي بدوره يخفض من الاستهلاك الكلي ويعتق الموارد لصالح الاستثمار ولتوفير السلع الضرورية للاستهلاك .
وبالمثل ، لابد من الضغط على المنصرفات غير المنتجة بهدف تخفيضها الشديد ، خاصة منصرفات الأجهزة الحكومية البيروقراطية . في هذا الخصوص ، لابد من تخفيض الفوارق في المرتبات مع ضرورة تقييم الوظائف اقتصاديا . وفي نفس الاتجاه ، يساعد توجيه التعليم نحو التعليم الفني ، بهذا الفهم ، في تخفيض الاستغلال غير المنتج للقوى العاملة ، كما يخفض من النزوح نحو المدن والذي يساعد في تنمية المناطق الريفية.
وعلى نفس الوتيرة ، يعتبر توسيع الديمقراطية الحقيقية شيئا لائقا لتعبئة الفائض الاقتصادي. فالديمقراطية الحقيقية تسمح بالمشاركة الشعبية في مهام الدفاع والامن الوطني ، الشئ الذي يعمل على تخفيض التوسع غير المسبوق لقوات الأمن . زد على ذلك ، ستعمل إعادة هيكلة جهاز الدولة على أسس ديمقراطية مع مشاركة الجماهير في أداء المهام المناسبة ، على تخفيض النفقات وأضعاف البيروقراطية المسؤولة إلى حد كبير عن الانفاق العالي على جهاز الدولة .
لابد من تبني معيار استثماري مرن وعملي للاستثمار في قطاع الخدمات، ويشتمل ذلك في رأينا ، على الاستثمار في الخدمات ، التي تلبي الاحتياجات الاساسية للجماهير ، إضافة للاحتياجات الجديدة الناتجة عن التنفيذ الناجح لخطط التنمية ، وأيضا في الخدمات التي تساهم في تنمية الانتاج وزيادة نسبة الاستثمار المنتج .
التغاضي عن هذه الشروط ، خاصة ضرورة التناسب بين الخدمات وإتساع الانتاج ، يعني من تجارب الدول المتقدمة ، إن أي سياسة لتوسيع الخدمات بالشكل الحالي ، لن تخدم التحول الاقتصادي ، ولابد أن تقود لتعزيز العجز في الخدمات الضرورية نفسها ، كما هو الحال الآن في السودان.
لابد من إتخاذ الاجراءات الاقتصادية والادارية المعقولة لمحاربة السوق السوداء والفساد وكل أشكال النشاطات الطفيلية الضارة بالانتاج وبتعبئة الفائض الاقتصادي .
وفي نفس الاتجاه ، يجب أن ندرك ، أن تحقيق الفائض الاقتصادي الكامن ، يستدعي تحولا ثقافيا ، يحرر المجتمع السوداني من العادات والقيم والمفاهيم غير المنتجة .