تشكل إعادة النهوض بزراعة القطن في السودان أحد الأهداف التي تعمل السلطات جاهدة على تنفيذها، مستفيدة من ارتفاع أسعاره في الأسواق العالمية خلال الآونة الأخيرة، لتحقيق عوائد مجزية على الرغم من أن هذا المجال الحيوي الداعم للصناعات النسيجية المحلية محاصر بالأزمات المالية والتغيرات المناخية.
الخرطوم – يقاوم مزارعو القطن، الذي يعتبر أحد أهم المجالات التي تعاني من صعوبات مالية كبيرة في السودان، المنغصات في طريق تحقيق بعض الإيرادات لتغطية مصاريفهم في ظل التكاليف المرتفعة جراء انحدار قيمة الجنيه إلى مستويات كبيرة.
ولطالما مارس العاملون في القطاع ضغوطا على السلطات لحثها على التدخل بهدف إنقاذ أعمالهم وتوفير التمويلات الكافية ومدخلات الإنتاج حتى يتمكنوا من تنمية أعمالهم بشكل مستدام ومواجهة آثار الجفاف.
ويعد إقليم النيل الأزرق أبرز المناطق التي تضم مزارع القطن بالبلاد، حيث تؤكد البيانات الرسمية أنها تمثل نصف المساحة المزروعة في كامل السودان فيما يتوزع الباقي في مناطق متفرقة تشمل القضارف والدمازين وجنوب كردفان وطوكر ودلتا القاش والجزيرة.
أبوبكر الطاهر: وفّرنا حاصدات آلية بالتعاون مع القطاع الخاص والبنوك
ويتوقع المسؤولون أن تشكل إنتاجية هذا الموسم من “الذهب الأبيض” نقطة تحول كبيرة تجاه التوسع في المساحات المزروعة وزيادة الإنتاجية الرأسية من القطن المحوّر وراثيّا.
وأكد أبوبكر الطاهر، المدير العام لوزارة الزراعة والغابات بإقليم النيل الأزرق، أن إجمالي المساحة المزروعة لمحصول القطن بلغ نحو 500 ألف فدان (202.3 ألف هكتار) في الموسم الحالي.
ولكنه قال لوكالة الأنباء السودانية الرسمية إن “وزارة الزراعة تخطط للوصول به إلى مليون فدان (404.6 ألف هكتار) خلال الموسم المقبل، خاصة وأن الجهود مصوّبة نحو الحصاد الآلي للقطن”.
وأوضح أن الوزارة اتجهت لتوفير حاصدات آلية بالتعاون مع القطاع الخاص والمزارعين، إلى جانب البنوك، متوقعا أن تستمر عمليات حصاد القطن حتى مارس القادم.
أما في النيل الأبيض فقد أدى دعم التنمية الريفية والشراكات مع القطاع الخاص، وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة، إلى توفير أكثر من 24 ألف فرصة عمل موسمية في زراعة القطن.
وقدرت السمحة عبدالكريم، مدير عام وزارة الإنتاج والموارد الاقتصادية بولاية النيل الأبيض الواقعة جنوب الخرطوم، متوسط إنتاج الهكتار الواحد بـ32 قنطارا خاصة مع جني القطن المحور وراثيا بمحليتي السلام والجبلين.
وبحسب المتعاملين والتجار يصل سعر قنطار القطن في السوق المحلية إلى قرابة 80 ألف جنيه (نحو 183 دولارا)، وهذا الأمر يدفع المزارعين إلى تكثيف عمليات الإنتاج مهما كانت قسوة الصعوبات.
وكانت الحكومة الانتقالية حررت سعر صرف العملة المحلية في فبراير الماضي ضمن اتفاق مع صندوق النقد الدولي ليصل متوسط سعر الدولار الآن إلى نحو 440 جنيها.
وأعلنت هيئة البحوث الزراعية التابعة لوزارة الزراعة في بداية هذا العام أنها تخطط لزراعة نحو 323.7 ألف هكتار بمحصول القطن النقدي، وهو أحد أجود أنواع القطن، للاستفادة من التصاعد المستمر في الأسعار في السوق العالمية.
وقالت حينها إنها تستهدف زراعة 242.7 ألف هكتار من محصول القطن عن طريق الري والباقي سيتم إنتاجه حسب كميات الأمطار التي ستهطل في البلاد.
وتراجعت عائدات صادرات القطن السوداني بشكل كبير، إذ بلغ إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي نحو 24 مليون دولار سنويا خلال السنوات الأخيرة، قياسا بنحو 188 مليون دولار حين تولى الرئيس المخلوع عمر البشير السلطة.
ولكن بعض التقديرات تشير إلى أنه منذ عام 2018 زادت إيرادات تصدير القطن لتتجاوز مئتي مليون دولار سنويا.
ومنذ العام الماضي بدأت الصين تمهد من خلال استثماراتها لعودة هذا المحصول إلى الحقول السودانية بزراعة نحو 182 ألف هكتار وصولا إلى أكثر من 404 آلاف هكتار بعد تراجع المساحات المزروعة من هذا المنتوج.
وشرعت شركة زونغ تين الصينية خلال فبراير 2020 في زراعة القطن ضمن مشروع الجزيرة في مساحات تجريبية كما شيدت محلجا حديثا ومصنعا للنسيج في مارنجان.
هيئة البحوث الزراعية: ارتفاع أسعار القطن دفع المزارعين إلى إنتاجه بعد أن هجروه
ويقول منسق بحوث القطن في هيئة البحوث الزراعية أحمد التجاني إنه ستتم زراعة نحو 95 في المئة من المساحة الكلية بالقطن المحور وراثيا بالصنف الصيني والهجين الهندي و5 في المئة بالأصناف التقليدية، وخاصة الصنف المحلي الذي يسمى “بركات”.
وأقر التجاني بالتصاعد المستمر في أسعار القطن، الأمر الذي دفع المزارعين إلى زراعته بعد أن هجروه، وعزا ذلك إلى زيادة الإنتاجية في القطن المحور وارتفاع سعره.
ويكمن التحدي الأكبر بالنسبة إلى المسؤولين السودانيين في كيفية إدخال التقنيات الحديثة في الزراعة لرفع الإنتاجية وزيادة وعي وقدرات المنتجين لتوسيع رقعة الأراضي المزروعة.
ولذلك يشدد التيجاني على ضرورة تدخل الدولة لتوفير التمويل ومدخلات الإنتاج للمزارعين حتى يتمكنوا من تعزيز نشاطهم في وقت مبكر لإنجاح موسم زراعة القطن العام المقبل والذي سيبدأ منتصف يونيو 2022.
وبحسب التقديرات الرسمية تساهم الزراعة بأكثر من 34 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إلى جانب وجود قطاعات كبيرة تعتمد عليها وفي مقدمتها التجارة والنقل والصناعات الغذائية والخدمات.
ويعاني السودان من متاعب اقتصادية حادة بسبب التقلبات السياسية، حيث لم تجد الحكومات المتعاقبة طيلة عقود الاستراتيجية الملائمة للخروج من الدائرة المفرغة للأزمات المتلاحقة.
وبينما تمتلك البلاد ثروات طبيعية هائلة لم تتمكن كل الحكومات التي تقلدت السلطة منذ الاستقلال عن المملكة المتحدة في 1963 من استغلالها على النحو الذي يحقق قفزات سنوية في الناتج المحلي الإجمالي ويعود بالنفع على السكان.
ولدى السودان مقومات زراعية هي الأكبر في المنطقة العربية، بواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، إلى جانب مساحة غابية تقدر بحوالي 52 مليون فدان.
ورغم كل المحاولات لجذب الاستثمارات في القطاع عجزت الخرطوم عن الاستفادة من الأموال المتدفقة إليها وزيادة احتياطاتها النقدية من العملة الصعبة التي تعد من بين الأضعف بين الدول العربية بواقع مليار دولار، وفق صندوق النقد.
المصدر سونا