فقدت الحركة الإسلامية في السودان ذراعًا عسكرية مهمة لها مع انتخاب سليمان صندل رئيسًا جديدًا لحركة العدل والمساواة بدلا من جبريل إبراهيم وزير المالية الحالي، حيث كانت الحركة أحد أبرز الحواضن العسكرية في إقليم دارفور لإسلاميي السودان، ما يفتح الباب أمام تحولات جديدة على مستوى التحالفات.
وأطاحت العدل والمساواة برئيسها جبريل إبراهيم بعد أن انتهت ولايته الثانية، وعقدت مؤتمرا في أديس أبابا يومي الثلاثاء والأربعاء، بحضور عدد كبير من قيادات الحركة.
وفوّت المؤتمر العام الفرصة على استثمار جبريل إبراهيم لخطوته التي أبعد فيها قيادات بارزة قبل أيام بحجة اجتماعهم مع القائد الثاني في الدعم السريع عبدالرحيم دقلو في نجامينا.
وبرهن المؤتمر العام على أن جبريل فقد سيطرته على قواعد الحركة من العسكريين الذين يعارضون دعم الحركة الإسلامية وخططها الغامضة في دارفور.
ودعا رئيس العدل والمساواة المعزول إلى ما أسماه “مؤتمرا تشاوريا” مع قيادات الحركة داخل السودان وخارجه، الخميس والجمعة في بورتسودان، وهي منطقة باتت تشكل حضورا لافتا للحركة الإسلامية وفلول نظام الرئيس السابق عمر البشير، على أمل إيجاد هيكل مؤسسي يساعده على قيادة فصيل في الحركة.
وجاء الاعتذار الذي قدمه الرئيس الجديد سليمان صندل للشعب السوداني الخميس عن تأييد الحركة لانقلاب الجيش على السلطة المدنية في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، كاشفًا عن حجم التحولات في الحركة التي تعتزم الانفتاح على أطراف مدنية وعلى قوات الدعم السريع، سعيا نحو لملمة أوراقها باتجاه المسار الديمقراطي.
وقال صندل إن حركة العدل والمساواة “لا تنتمي لليسار أو اليمين وتعمل من أجل المواطنة المتساوية”، مؤكدا أن الفساد تسبب في دمار السودان، ووجه الشكر لكل من إثيوبيا وتشاد ومصر.
وأشار التيجاني التوم، المنتخب أخيراً رئيساً للمجلس التشريعي في العدل والمساواة، إلى أن الحركة في شكلها الجديد تنفتح على كل القوى السياسية بلا قيود، وأن الهم الأول للحركة وضع برنامج لإنقاذ البلاد والسعي مع الشركاء من القوى السياسية لإنهاء الحرب الحالية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المؤتمر العام للحركة الذي عقد في أديس أبابا تماشى مع الوضعية الدستورية داخل العدل والمساواة التي تشير إلى أن الرئيس لا يحق له الترشح لدورة رئاسية ثالثة، وهو ما حاول جبريل تجاوزه بعد رفضه الاستجابة لمطالب معظم المنتسبين إلى الحركة بشأن ضرورة إجراء انتخابات.
ولفت إلى أن كافة القيادات من مختلفة الولايات والمكاتب الخارجية للحركة كانت ممثلة في المؤتمر، وجرت فيه مراجعة مواقف العدل والمساواة في الفترة الماضية وما تعرضت له من إخفاقات وما حققته من نجاحات، وعلى هذا الأساس جاء التوافق من أجل انتخاب صندل كرئيس جديد للحركة.
وزادت التطورات الأخيرة في جسم العدل والمساواة من إضعاف حضور الإسلاميين الذين قادوا انقلابًا على السلطة المدنية بمشاركة الجيش، ما يشكل ضربة قوية لفلول البشير والمتخفين داخل الدولة العميقة، وهي ضربة أيضَا للحاضنة السياسية التي حاول الجيش توظيفها لنجاح انقلابه على السلطة ممثلة في الكتلة الديمقراطية لقوى الحرية والتغيير.
وتعد حركة العدل والمساواة من أبرز الحركات السودانية المسلحة التي وقّعت على اتفاق جوبا للسلام عام 2020، ووفرت الغطاء السياسي لانقلاب أكتوبر ضد حكومة عبدالله حمدوك، عندما نظمت اعتصاما أمام القصر الرئاسي قبل أيام من الانقلاب.
وتشكل الحركة جناحًا رئيسيًا داخل الكتلة الديمقراطية التي عمدت إلى تفتيت قوى الحرية والتغيير وبعثرة أوراقها، ما يشي بأن الظهير السياسي الذي اعتمد عليه الجيش يتضاءل تأثيره، مع توقعات بوصول الانشقاقات إلى مكونات أخرى داعمة للجيش.
وشهدت حركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي التي يرأسها الهادي إدريس يحيى بوادر انقسام مشابه على إثر إعلان مسؤول عسكري بارز داخلها مساندته للجيش السوداني، فيما تؤيد قواعد الحركة البقاء على الحياد.
ويتوقع متابعون أن يصل الانقسام إلى حركة جيش تحرير السودان التي يرأسها حاكم إقليم دارفور مني آركو مناوي في ظل حالة من الغضب داخلها بسبب مواقفه من الحرب.
ويشير هؤلاء المتابعون إلى أن الغطاء السياسي الداعم للأحزاب والحركات المسلحة التي شاركت في الانقلاب على السلطة ولها مواقف مؤيدة للجيش يتلاشى تدريجيا، وهناك إدراك أن البقاء في هذه الخانة لن يكون في صالح الدولة مع إصرار الحركة الإسلامية على توسيع دائرة الحرب ومنع الوصول إلى التفاوض السياسي الجاد.
وقال المحلل السياسي السوداني سليمان سري إن الخلافات تأخذ في التصاعد داخل العدل والمساواة وغيرها من الحركات المسلحة التي تعاني خللاً في مبادئها الرئيسية، فالقوات العسكرية لحركة العدل والمساواة في دارفور كانت داعمة بشكل غير مباشر للجيش، لكن الأمر اختلف أخيرا، حيث اندلعت اشتباكات في عدد من مدن الإقليم ولم تتدخل فيها، ما يشي بحجم التحول في مواقفها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن التغييرات في البناء التنظيمي لحركة العدل والمساواة تؤكد أن الأيديولوجيا الإسلامية تأخذ في التراجع لصالح المرجعية المدنية ما يمهد لتحالف الحركة مع قوى مدنية والانتقال من المربع المقابل لقوى الثورة والانضمام إلى صفوفها، ما يدعم الجبهة المدنية العريضة.
وذكر أن التحولات الأخيرة داخل العدل والمساواة تكشف عن عمق الانقسام في صفوف التيار الإسلامي، وأن الخلافات المتصاعدة بشأن مجموعة من المواقف السياسية وطريقة إدارة الحرب انتقلت إلى ذراع عسكرية مهمة داخلها.
وساعدت شخصية الرئيس السابق للحركة جبريل إبراهيم المفتقرة للشعبية داخل الحركة على فشله في الحفاظ على حركته كورقة لدعم الحركة الإسلامية عسكريًا.
ووجهت القيادات التي شاركت في مؤتمر أديس أبابا انتقادات لجبريل إبراهيم واتهمته بمخالفة النظام الأساسي الذي يمنع التجديد لرئيس الحركة لأكثر من دورتين، وحمّلته مسؤولية إبعاد قيادات تاريخية عن الحركة والاستئثار بالمكاسب التي تحققت بفضل اتفاق جوبا للسلام ومنح السلطة لبعض المقربين منه.
المصدر: العرب