يمهد الإعلان عن محاولة انقلاب عسكري جديد في السودان الطريق للتخلص من بعض القيادات العسكرية، وقد يؤدي إلى جذب تعاطف فئة من المواطنين مع الجيش في معركته مع قوات الدعم السريع، وتوصيل رسالة إلى قائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان أن عملية التخلص منه لن تستغرق وقتا إذا انحرف عن الخط الإسلامي.
وتربك معلومات نقلتها وسائل إعلام سودانية الثلاثاء حسابات قائدي الجيش والدعم السريع وقوى إقليمية ودولية معنية بإعادتهما إلى طاولة المفاوضات لوقف الصراع.
وقالت مصادر سودانية لـ”العرب” إن الحركة الإسلامية تعمل على التخلص من بعض القيادات المنحدرة من إقليم دارفور داخل الجيش والمشكوك في ولاءاتها السياسية، وقدرتها على تنفيذ أجندة التنظيم وفلول النظام السابق الرامية لإطالة أمد الحرب من خلال تعطيل مبادرات وقف الحرب والمفاوضات مع قوات الدعم السريع.
وأضافت المصادر ذاتها أن الصحيفة (السوداني) التي نشرت خبر المحاولة الانقلابية على نطاق واسع قريبة من الجيش وموثوق بها، لكن ما أوردته من معلومات تفصيلية في هذا التوقيت قد يفضي إلى عرقلة أيّ جهود من شأنها إنهاء الصراع الدائر.
الحركة الإسلامية تعمل على التخلص من بعض القيادات المشكوك في ولائها وقدرتها على تنفيذ أجندة التنظيم
وأكدت المصادر السودانية لـ”العرب” أن أعضاء حزب المؤتمر الوطني المنحل بعد أن فقدوا أداة الدين كوسيلة لتحقيق أغراضهم السياسية لجأوا إلى أسوأ الخيارات ذات الارتباط المدمر بتفخيخ الصراعات من خلال خلفيات إثنية وعرقية، ووجدوا في خطاب الكراهية المستمر مادة مفضلة بالنسبة إليهم للمزيد من خلط الأوراق.
ونشرت صحيفة “السوداني” التي يرأس تحريرها عطاف محمد مختار تقريرا ذكرت فيه أن استخبارات الجيش في منطقة وادي سيدنا العسكرية اعتقلت ضباطا فاعلين بقيادة متحركات أم درمان بتهمة الإعداد لانقلاب، وأن حملة اعتقالات طالت ضباطاً نشطين في إدارة العمليات في هذه المدينة.
وتم وضع الضباط المعتقلين في معسكر سركاب، بينهم قائد المتحركات بأم درمان ومدير الإدارة الفنية بالدفاع الجوي ومسؤول عن الرادارات وأجهزة التشويش المضاد للمسيرات ومسؤول عمليات الدعم والإسناد الإستراتيجي لمواقع المدرعات والشجرة.
وأشارت الصحيفة إلى وجود استعدادات لاعتقال عميد ركن قائد لأحد المتحركات في مدينة أم درمان، وجميعهم معتقلون تحت ستار الإعداد لانقلاب، وأن اعتقالات الضباط تزامنت مع زيارة عضو مجلس السيادة، مساعد القائد العام للجيش، الفريق إبراهيم جابر، لمنطقة وادي سيدنا العسكرية.
وقال المحلل السياسي السوداني حاتم إلياس لـ”العرب” إن المعلومات التي نشرت حول حدوث انقلاب لا أثر ملموسا لها في الواقع، لكن هناك رغبة قوية من جانب بعض قيادات الحركة الإسلامية داخل الجيش في التخلص من الفريق إبراهيم جابر بسبب انتمائه إلى قبلية الرزيقات التي ينحدر منها قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) وعدد من الضباط والجنود الآخرين.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن خروج هذه المعلومات واستهداف أحد قيادات الجيش بسبب خلفيته القبلية، على الرغم من انتمائه المعروف للحركة الإسلامية وكان من أوائل من دفعت بهم للجيش، يقود للتشكيك في الكثير من ولاءات قيادات الجيش ممن لهم خلفيات مرتبطة بإقليم دارفور والقبائل العربية والأفريقية الموجودة فيه، والأمر سيترك نتائج سلبية على نحو أكبر في صفوف المؤسسة العسكرية.
وأوضحت المعلومات المتداولة أنه تم اعتقال الضباط قبل يومين من الكشف عن المحاولة الانقلابية الجديدة، وهم من أكفأ ضباط الجيش، ضبطاً وربطاً وتعليماً، ويمثلون روح متحركات أم درمان، وخاضوا معارك شرسة ضد قوات الدعم السريع، ولهم علاقات طيبة وسط الجنود والاحتياط والأهالي.
ولفت مراقبون إلى أن هذه النوعية من الصفات التي تؤكد انضباط من ألقي القبض عليهم تشكك في مسار المحاولة الانقلابية، وتعزز استنتاج تصفية الحسابات، وأن يد الحركة الإسلامية طويلة وتستطيع أن تنال من كل قيادة لا تحسن الولاء التام لها.
الحديث عن محاولة انقلاب في مثل هذا التوقيت يسلط الضوء على وجود خلافات داخل الجيش حول سير العمليات العسكرية وأولويات المرحلة المقبلة
وحرصت معلومات أخرى راجت على بعض الوسائط الإخبارية على الإشارة إلى أن اعتقالات الضباط تمت لمخالفتهم الأوامر العسكرية وليس بتهمة الانقلاب، وقيامهم بحملة عسكرية ضد قوات الدعم السريع في أم درمان دون تنسيق مع القيادة المركزية، وهي دلالة على ضرورة الالتزام بالأوامر مهما كانت فداحتها على الجيش.
ونجحت قوات الدعم السريع في السيطرة على أربع ولايات إقليم دارفور الخمس، فضلا عن دخول الجزيرة، والتواجد في وحدات مهمة تابعة للجيش، وبدا قادتها أقرب إلى الاستسلام، ولم يحاول عدد كبير منهم خوض معارك في مواجهة الدعم السريع، ما ساعد على رواج تقديرات الانقسام داخل الجيش ورفض أجندة قادته.
وتوقف الخبير العسكري السوداني أمين إسماعيل مجذوب في حديثه مع “العرب” عند ما جرى في وادي سيدنا، ورصد أكثر من احتمال، أحدها يشير إلى وجود انقلاب فعلي، والثاني أن الضباط الذين تم اعتقالهم بسبب ثبوت ولائهم للدعم السريع، والثالث يتعلق بخلافات داخل الجيش حول سير العمليات العسكرية وأولويات المرحلة المقبلة.
ورجّح مجذوب الاحتمال الثالث وهو أن ضباطا يشغلون مواقع قيادية لهم تحفظات على إدارة المعارك، وجرى تكليفهم بمهام ورفضوا الانصياع لها ولم يقوموا بتنفيذها، وأقدمت الاستخبارات العسكرية على اعتقالهم وإبعادهم عن مواقعهم.
ولم يستبعد في تصريحه لـ”العرب” أن يحمل التكثيف الإعلامي منذ الإعلان عن الواقعة أبعادا تشير إلى “تهيئة الأجواء نحو تدبير انقلاب حقيقي، أو إدخال تعديلات على القيادة العامة، والزيارة التي قام بها الفريق إبراهيم جابر إلى المنطقة العسكرية معنوية ولتفقد القوات وتعبئة الإمدادات وليس لها علاقة بالاعتقالات الأخيرة”.
ويحمل ما جرى في أم درمان ملامح “بروفة” لتغيرات داخل الجيش تمنح فرصة واسعة للمحسوبين على الحركة الإسلامية لتقدم الصفوف العسكرية مباشرة، ولم تعد هناك حاجة إلى ستار يتدثرون به لإخفاء أجندتهم السياسية، فالكل يتحدث عن دورهم. وبعد أن ضاقت خيارات الجيش وقادته يتجهون لتطوير التعاون مع إيران لم يعد أمام الإسلاميين سوى الإفصاح عن دورهم الذي يتنامى بشكل لم يعد خفيا أو مجهولا.
المصدر: العرب