إسماعيل عبدالله
بدأ وزير المالية الانقلابي تخبطه منذ ذلك اليوم الأول الذي قال فيه : (إن ابواب السماء مفتوحة) في رده على سؤال حول الحلول المتعلقة بالأزمة المعيشية ، لقد اعاد السيد الوزير ذو الخلفية الانقاذية للناس حكايات وقصص وخرافات الصحفي الخيالي اسحق احمد فضل الله – الاخواني ، وشطحاته الميتافيزيقية المتناولة لرائحة المسك المنبعثة من جسد (الشيهد) ، لقد مضى عهد الكهنوت وزمان تخدير الناس بالنصوص الدينية والاشارات السماوية ، فنحن اليوم في مواجهة لئيمة مع العالم البراغماتي في كل شيء ، الناس يحتاجون الى الخبز والدواء والمسؤولية بالدرجة الأولى تقع على عاتق وزير المالية والتخطيط الاقتصادي ، وليس من المهنية أن يُسأل الوزير المختص في شأن الاقتصاد عن الحالة المالية المتردية التي تشهدها البلاد ويكون الرد مقرون بتصاريف المساء ، إنّ السماء يا وزير المالية لن تمطر ذهباً لتستجيب لرفعك لأكفك بالدعاء ، سيما وانت من زمرة الجماعة التي لم يُستجب لها ، ولوكانت السماء كما قلت لدانت لك ولرهطك كل من امريكا وروسيا يوم أن دشنتم (مشروعكم الحضاري) مطلع تسعينيات المئوية الفائتة وهتفتم (امريكا وروسيا قد دنا عذابهما).
لم يعقد وزير المالية مؤتمراً صحفياً بعد عودته من روسيا ليخبرنا عن منجزات الزيارة الاقتصادية ، فوجوده من ضمن وفد عالي المستوى يحتم عليه التركيز فيما يليه من واجب حلحلة المعضلة المعيشية ، الشعب الكادح يريد أن يعلم ما هي تلك السلعة الاستراتيجية التي تم بيعها لروسيا الاتحادية؟، ويسعى جاهداً ليعرف حجم العائد الربحي المجزي الذي يمكنه تخفيف وطأة الفقر على اجساد الفقراء المعدمين؟، وكذلك على وزيرنا المبجل أن يفك لنا شفرة اعتماده على محفظة السلع الاستراتيجية ، ويخبرنا عن ماهية تلك السلع الاستراتيجية وحجم ايرادها الشهري لصندوق المالية؟، وما علاقتها بمنظومة الصناعات الدفاعية التي كانت عصية على لجنة التفكيك ؟، نريد الاطمئنان على ثروتنا القومية والتحقق من تطبيق مبدأ المحاسبة والمراجعة والشفافية في جرد حسابها الوارد والصادر ، وهذا كما تعلمون حق أصيل من حقوق هذا المواطن المكتوي بصلف الحكوميين منذ زمان بعيد، لكن قولوا لي بربكم هل طبق الانقلابيون يوماً بنداً واحداً من بنود الشفافية منذ قيام أول انقلاب عسكري بالسودان ؟.
المحصلة الراهنة هي خلاصة بديهية لحدوث الانقلاب الذي اغلق ابواب الأموال الدولية المفتوحة بيد رئيس الوزراء المستقيل ، هذه المغامرة الانقلابية الغير محسوبة العواقب ما كان لها أن تؤدي الى غير هذا الانسداد الكبير في انبوب التدفق المالي العالمي ، وبتصريحات وزير المالية المتأرجحة بين مناصرة الانقلابيين والمحاولة اليائسة والنادمة على ارتكاب هذه الحماقة الكبرى ، يتجلى أمام الرائي المشهد الضبابي الغامض لمسيرة حكومة الأمر الواقع الانقلابية بقيادة الجنرالات ومعهم رهط وزير المالية من المؤيدين للباطل والمصفقين له ، فالعملية برمتها تعتبر انتحار أمام بوابة القصر الجمهوري الذي دخله الثوار ، ولا سبيل للخروج منها غير العمل الدؤوب من أجل تحقيق التحول المدني الديمقراطي الكامل والشامل ، فمحاولة تضامن أي جهة مدنية كانت أم ثورية مع العبث الانقلابي لا تعدو عن كونها رغوة وزبد سوف يذهب جفاء عاجلاً كان ذلك أم آجلاً .
بحكم خبرتكم التجارية يا سعادة وزير المال لابد من أنكم على علم ودراية تامتين بأن قنوات التجارة العالمية لا تدار بمبدأ الانحياز الكامل والمناصرة الواضحة لقوى سياسية عالمية ضد أخرى ، وبناء على هذه الخبرة التراكمية ما كان يجب أن تقعوا في فخ الانضواء الكامل تحت لواء القطب الروسي ، فالتجارة العالمية بحد ذاتها سياسة اخرى تعلب فيها الدبلوماسية دوراً مفصلياً ، فدولة مثل الصين برغم جبروتها الاقتصادي الا أنها لم تعلن تضامناً مكشوف الظهر مع روسيا ، وفضّلت أن تكون من ضمن كوكبة الناصحين والساعين بين الناس من أجل رأب الصدع ، فكيف فات عليكم أن تمسكوا العصا من منتصفها في مثل هذه الظروف الدولية الشائكة ، يبدو عليكم أنكم من شاكلة الوزراء الباصمين باصابعهم العشرة على ما يقرره الدكتاتوريون ، وانكم من امثال المقدمين لفروض الطاعة العمياء لجنرالات الانقلاب العسكري المشؤوم ، ففي كل الاحوال لن يسامحكم الشعب السوداني ولن يعفو عنكم في هذا التقصير المنقطع النظير في عدم الوفاء له بحقه المشروع في العيش الكريم .
المصدر الراكوبة