جميع ثورات العالم كانت تستهدف في المقام الأول الإطاحة بنظام دكتاتوري قهري وإقامة نظام عادل يضمن لكافة المواطنين المساواة والمشاركة والحرية، حدث هذا في كل الثورات ابتداءا من الثورة الفرنسية مرورا بالثورة الروسية والامريكية وكل الثورات التي قامت من أجل الإطاحة بالحاكم المستبد سواء كان مستعمرا أو ملكا او رئيسا فاسدا، جميعها اتفقت على الإطاحة به، وجميعها هدفت إلى إنشاء نظام يمثل الشعب، ولا يوجد في الوقت الراهن نظاما يمثل الشعب كما تمثله الديمقراطية.
ثورة ديسمبر ليست استثناءا من بقية الثورات، وبالتالي فغايتها الأسمى هي اقامة نظام حكم ديمقراطي يتم فيه تبادل السلطة سلميا بين المواطنين ويحتكم فيه الجميع إلى قانون لا يميز بين الناس بالعرق او اللون او الدين، ويعيش فيه الجميع في سلام واطمئنان، عليه فإن اهداف ثورة ديسمبر هي الاهداف الازلية والخالدة للثورات، وهي تتلخص في تحقيق ثالوث (السلام، حكم الدستور/القانون، والتبادل السلمي للسلطة عبر الانتخابات)، لذلك مهم تنبيه الجماهير عامة والأجيال الجديدة خاصة إلى أن جميع الأهداف المرحلية المؤقتة يجب أن لا تعلو فوق هذا الثالوث الأسمى، خاصة وأن هناك من يعمل ليل نهار على تغبيش الطريق نحو هذا الثالوث، ويفتح باستمرار مسارات جديدة تنقل الجماهير الى اهداف وقتية مؤقتة بلا قيمة مستقبلية تستهلك طاقة الثورة والجماهير.
الأهداف المرحلية المؤقتة للثورة كثيرة جدا ومن امثلتها القصاص لشهداء الثورة، فرغم حساسية هذه القضية ولكنها في الحقيقة قضية مؤقتة لا ترتقي إلى عظم قضية السلام مثلا او قضية استدامة التبادل السلمي للسلطة او قضية إنجاز دستور دائم للسودان، فالقصاص لضحايا الثورة قد يشفي صدور الثوار الحاليين ولكنه لن يكون سوى مجرد خبر صغير في المستقبل قد لا ينتبه إليه احد من أجيال الغد، تماما كما لا ينتبه ثوار اليوم إلى تاريخ القصاص من قاتل الشهيد القرشي في ثورة أكتوبر ١٩٦٤ او قتلة شهداء ثورة أبريل ١٩٨٥.
من أمثلة الأهداف المرحلية المؤقتة كذلك الإجابة على سؤال من يحكم الفترة الانتقالية؟، هل يحكمها مدنيين ام عسكر ام خليط، وهي كلها بلا معنى، فقد حكم السودان حكما مدنيا في فترة الحكم الذاتي، ثم حكم بالخليط بعد ثورة أكتوبر، ثم حكم بالعسكر بعد ثورة ابريل، جرب السودان اذا كل الأنظمة في الفترات الانتقالية، وجميعها قادته إلى الانتخابات، ولذلك فجميعها سواء، جميعها يمكن أن توفر هدف المرحلة المؤقت وهو نقل السلطة من الحكومة الشمولية إلى حكومة منتخبة، عليه فإن الصراع الدائر حول من يحكم الفترة الانتقالية هو صراع عبثي، لا يمثل اهمية لمن سيأتون في المستقبل بقدر ما يهمهم أن يحدث العبور ويصل السودان الى الانتخابات بعد الفترة الانتقالية. على ذلك قس كم هي الأهداف المرحلية المؤقتة العديدة التي يستهلك فيها الناس طاقتهم، ويهدرون فيها الوقت، ويعرضون بها البلاد الى الصدام والدم والفوضى.
في ظل اختلاط الأهداف الكبرى مع الأهداف المرحلية المؤقتة تم تجييش الكثير من الجماهير، وحشدها عاطفيا، فأصبحت تقاد كالمنومة مغنطيسيا نحو أهداف مرحلية بلا معنى، لن تقود الا إلى تفجير الأوضاع وإضاعة الثورة، لذلك مهم الانتباه الى الاهداف الكبرى للثورة والتفريق بينها وبين الاهداف الصغيرة المؤقتة، مهم ان ننظر نحو الأفق البعيد لا تحت أرجلنا، ان نركز على ثالوث الأهداف المهمة الواضح أمامنا، لا على عشرات الاهداف المؤقتة على الاجناب.