أصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حزمة إجراءات مالية لتحسين دخول العاملين بالجهاز الإداري للدولة وأصحاب الكادرات الخاصة، والتعجيل بها، اعتباراً من أول نيسان/ إبريل 2023، بحيث يزداد بموجبها دخل الموظف بحد أدنى ألف جنيه (نحو 32 دولارا أمريكيا) شهريا، وسط تشكيك من خبراء بنجاعة القرارات.
وتأتي تلك القرارات بعد عام من انهيار الجنيه المصري من مستوى 15.7 جنيه للدولار إلى 31 جنيها للدولار، وارتفاع نسب التضخم، وبعد ساعات من إعلان وزارة البترول زيادة أسعار البنزين في السوق بنسب متفاوتة.
وأعلن السيسي، في كلمة ألقاها بمحافظة المنيا في صعيد مصر خلال افتتاح عدد من المشروعات، عن مجموعة من الإجراءات وتطبيقها بشكل مباشر، والتي عادة ما تكون في بداية كل عام مالي والذي يبدأ في تموز/ يوليو من كل عام.
أولًا: تحسين دخول العاملين بالجهاز الإداري للدولة وأصحاب الكادرات الخاصة بحد أدنى 1000 جنيه شهريًا (الدولار يساوي 30.77 جنيه).
ثانيًا: زيادة الحد الأدنى لأجور العاملين قي الدولة وذلك على النحو الآتي:
بالنسبة للدرجة السادسة وما يعادلها لتكون بقيمة 3500 جنيه (113.75 دولار) شهريًا.
بالنسبة للدرجة الثالثة النوعية وما يعادلها لتكون بقيمة 5000 جنيه (162 دولارا) شهريًا.
بالنسبة لحاملي درجة الماجستير من العاملين بالدولة لتكون بقيمة 6000 جنيه (195 دولارا) شهريًا.
بالنسبة لحاملي درجة الدكتوراه من العاملين بالدولة لتكون بقيمة 7000 جنيه (227 دولارا) شهريًا.
ثالثًا: زيادة المعاشات المُنصرفة لأصحابها والمستفيدين عنهم لتكون بنسبة 15% بدءًا من أول أبريل 2023.
رابعًا: رفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل السنوي من 24 ألف جنيه ليكون بقيمة 30 ألف جنيه (975 دولارًا) سنويا.
خامسًا: زيادة الفئات المالية الممنوحة للمستفيدين من برامج تكافل وكرامة بنسبة 25% شهريًا، بدءًا من أول نيسان/ أبريل 2023.
إجراءات غير مثمرة
في رؤيته لتلك الإجراءات التي جاءت بعد عام من بدء الانهيار الاقتصادي في البلاد، قال البرلماني المصري السابق عزب مصطفى: “إن القرارات التي أعلنها السيسي لأجل امتصاص غضب المواطنين لن تثمر عن شيء لأن ما يجري في مصر ليس غلاء وارتفاع أسعار فقط، إنما انهيار في المنظومة المعيشية للمواطن والاقتصادية للبلاد، وخرجت عن السيطرة بعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتلاحقة”.
ودلل على حديثه بالقول لـ”عربي21″: “رغم القروض التي حصلت عليها مصر من السعودية والإمارات والكويت بمليارات الدولارات إلا أنها فشلت في منع نزيف العملة المحلية، ولم تخفف من حدة الأزمة الاقتصادية الطاحنة على المستويين الرسمي والشعبي؛ لإن إدارة هذه الأموال إدارة فاشلة من قبل العسكر وأغرقت مصر في ديون أكثر من 5 تريليونات جنيه”.
ووصف البرلماني السابق، والنائب لعدة دورات برلمانية هذه القرارات بأنها “مسكنات لا تغني ولا تسمن من جوع، فماذا عن 25 مليون عامل وموظف خارج قطاع الدولة، ولن تخفف من الأزمة الاقتصادية ولا بد من إصلاح اقتصادي جذري، وقبل كل شيء القضاء على الفساد، وإزاحة الجيش من المشهد اقتصاديا وسياسيا وإعطاء القطاع الخاص دوره في بناء الاقتصاد الوطني”.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، قفز معدل التضخم السنوي الأساسي، بحسب البنك المركزي إلى 31.2% وهو أقل بكثير من الرقم الذي سجله مؤشر “جونز هوبكنز”، حيث تقدر التضخم الحقيقي في مصر بنحو 101% لتصبح في المرتبة السادسة عالميا، من بين أسوأ 21 دولة على مستوى العالم من حيث ارتفاع تلك المعدلات الحقيقية للتضخم.
إجراءات فئوية تلتهمها الأسعار
وفي تقديره؛ قال البرلماني العمالي السابق، طارق مرسي، “أتصور أن نظام السيسي – في عمومه – لا يكترث كثيرا بالشعب المصري وأنه يعتبر أن التخويف والرعب والبندقية والدبابة هي الأدوات الأنجع في مواجهة المصريين، وأرى أن هذه الإجراءات ربما كانت نصيحة من بعض الأجهزة داخل منظومة الحكم، خاصة بعدما طفحت منصات التواصل بصرخات غضب الجديد فيها أنها معظمها من السذج الذين صدقوا السيسي وإعلامه ودعموا انقلابه في بدايته”.
وأضاف لـ”عربي21″ أن السيسي أوصل الشعب المصري إلى حالة احتقان شديدة والوضع الاقتصادي طحن الأسر المصرية ونسف الطبقة الوسطى وتحول معه عموم المصريين ما بين فقراء ومعدومين، مؤكدا أن الأمر بات يهدد بالانفجار، “خاصة وأن هناك أحاديث تؤكد أننا في انتظار تعويم جديد للجنيه وكلنا يعرف تبعات ذلك على المواطنين المطحونين”، بحسب تعبيره.
الحديث عن أن مثل هذه الإجراءات يمكن أن تحتوي الأزمة، بحسب مرسي، “حديث ساذج أو جاهل”؛ لا يستوعب حقيقة وحجم الأزمة التي عصفت بالأسر المصرية، ولا حتى يمكن اعتبارها من قبيل المسكنات لعدة أسباب منها:
أولاً: أن الشعب لم يعد يثق في الحكومة ولا في السيسي ولا نظامه، فضلاً أن المصريين لم يعودوا يرون أفقا للحل في المستقبل.
ثانياً: أن هكذا إجراءات تمثل في حدها الأقصى فتات سيستفيد منه شرائح بسيطة من المجتمع كالموظفين والمعاشات، بعيدا عن العمال والحرفيين ناهيك عن جيوش البطالة ومعدومي الدخل.
ثالثا: أن هذه الإجراءات لن تمثل أي مقاومة أو تحسين بل ستلتهمها ارتفاعات الأسعار المتكررة ومنها الارتفاع الأخير في الوقود.
رابعا: حجم الأزمة الحقيقية وصل حد تفشي السرقات والانحراف الأخلاقي والانتحار وهو مستوى ينبئ بأن الكيل طفح.
ومنذ آذار/ مارس الماضي تعرض الجنيه المصري لهزات قوية وانخفض عدة مرات من مستوى 15.70 جنيه إلى 30.77 جنيه وسط توقعات قوية من قبل بنوك استثمار عالمية بالهبوط مجددا 10% إلى 35 جنيها لكل دولار؛ بسبب توالي الضغوط على العملة المحلية الناجم عن شح الدولار وتخارج الأموال الساخنة، وتراكم الالتزامات البلاد الخارجية.
المصدر: عربي21