أخبار السودان:
كلما اعتقدنا أننا سنختم ملف الفساد الذي مارسته (مافيا سندس) إدارة وموظفين ومحسوبين لندلف إلى محور آخر من محاور التحقيق، إلا ونجد أنفسنا نعود مرة أخرى لمربع الفساد الذي يبدو كأنه بلا نهاية، ويوحي إليك بأن (مشروع تنمية شرق جبل أولياء) وهو اسم الدلع لـ (سندس) كأنما اختلق لـ (تنمية جيوب أفراد) وليس مشروعاً وطنياً تعلقت به آمال قومية وفردية، وقد انطبقت عليه مقولة (المال السايب يعلم السرقة). الا أن السرقات التي مورست هناك تدل على أننا أمام معتادي سرقات وإن كانوا ليسوا محترفين، فالمحترف يعرف ماذا ومتى يسرق ومتى يتوقف ولا يسرق باسلوب (المفجوع) الذي كان جائعاً فوجد الطعام وأخذ يعب منه عباً بيديه الاثنتين فأكل حتى أتخم و (غلبو النفس ).. معاً نتابع بقية حلقات مسلسل الفساد .
في الحلقة السابقة وعدناكم بذكر أسماء النافذين والموظفين والمحسوبين الذين تملكوا أراضي المشروع المميزة وهي في الأساس ملك لآخرين، وهذه الأسماء الآن طرف النيابات والجهات المختصة بملفات الفساد، وهي كما وردتنا :
الصافي جعفر الصافي، (ح. س. م)، (الطيب محمد الطيب ) (ن. س. ن)، (خ .ع. أ)، (ص .ع . ق )، (ز. أ. أ )، (أ. أ)، (خ. ق)، (هـ. م)، (أ . أ)، (ع. أ)، (م. إ .ج)، (أ .أ)، (ن .ح .م)، (م. ع. ق)، (خ .ح. أ)، (ع .ع). ولاحقاً سنورد الأسماء كاملة بدلاً من الحروف إن شاء الله .
سبحان مغير الأحوال
هذه المجموعة أثرت ثراءً فاحشاً من خيرات سندس، فالمدير الصافي جعفر الذي كان منزله في الفردوس عبارة عن بيت طين وأثاثه العناقريب حتى عام 2009م، بعد أن أجريت له عملية قلب في الأردن، حسب بعض من قاموا بزيارته وقتها، ولكنهم عندما كرروا الزيارة قبل حوالى أربع سنوات للتفاهم معه حول أراضيهم، وجدوا بيته عبارة عن قصر، حيث اشترى كل المنازل المجاورة له، وأسس ذاك القصر على أحدث طراز، وفيه غرف السائقين والخدم والحشم والطباخين وحوض السباحة، وقد تداولت الوسائط صورته وهو (يسبح)!
والسؤال هل استردت سندس قيمة مواد البناء التي اعترف أحد السائقين بأنه كان ينقلها لمنزل الصافي و (ع. ع) الذي أصبحت روحه عند مليك مقتدر؟ والسائق اعترف أمام قاضي جنايات جبل الأولياء مولانا عبد الكريم سعيد نقد، وكان يقود سيارة سندس وهو يحمل مواد بناء من مغلق بسوق الجبل، وبالتحري معه اعترف بأنه ينقل (دور لبيت الصافي ودور لبيت المهندس (ع. ع) و (دور يبيعه لمصلحته)، وقد اكتشفت المحكمة الفوضى الحادثة في المشروع، حيث لا يوجد أمين مخازن لتنزل المواد في عهدته، ولكنها ترمى في (هنقر) و(يشيلوا ويغرفوا منها) بلا رقيب ولا عتيد، وقد روى لنا هذه الواقعة بابكر محمد الطيب أحد قيادات الجبل والمهتمين بقضاياه .
كم قيمة الطلمبات الحقيقية؟
وإذا دلفنا لملف الطلمبات وهي روح المشروع وعددها ست طلمبات، ثلاث في البحر وثلاث في شرق المشروع وقيمتها الفعلية (٨) ملايين دولار، فكيف دفعت سندس فيها (٢٢) مليون دولار؟! والسؤال طرحه بابكر الذي أضاف قائلاً: (أوع تقولوا الحنك البيش بتاع محاصرين، لأنه الصين ما شاركت في حصارنا)، وقد علمنا أن الطلمبة الرئيسة كانت منحة من البنك المركزي الصيني للسودان .
(من دقنو وافتلو)
وحسب مصادرنا داخل المشروع، فقد أنشأت إدارة سندس قسماً منفصلاً للآليات بنقود التعويضات، واشتروا آليات (لودرات وبوبلينات وتراكتورات)، وعينوا عليها عمالاً ذوي صلة قرابة بالإدارة، وخصصوا لهم مرتبات وحوافز أعلى من الآخرين، ويفترض أن تكون جزءاً من عمل المشروع، ولكن عوضاً عن ذلك أصبحوا يؤجرون ذات الآليات للمشروع.
وفي هذه السانحة تحضرني رواية استمعت لها داخل المشروع عن أحد دهاقنته، وهو قريب الصافي جعفر ويدعى (أ، أ) الذي دخل المشروع بقلاب وارتكب أية جريمة يمكن أو لا يمكن تصورها في حقه، هذا الرجل يمتلك الحوش الذي تقبع به الآليات، فإذا حفر كيلومترين مثلاً يتم تسجيلها (20) كيلومتراً تستخرج بها نقوداً، فإذا لم يجد يستخرج بها أراضي، فيبحث عن المشتري ويقول له: (عاوز تشتري ما تدفع قروش أدفع لي أنا) ويسحب اسم المشتري، وهذا الرجل سجل آلاف المزارع وأسس عمارة في جبرة وأخرى في الصحافة وثالثة في الامتداد .
من المغلق للإدارة!
المدير الجديد المهندس الطيب محمد الطيب الذي أكمل عامه الحادي عشر بصفة (مكلف)، حدثونا عنه فقالوا إنه قد حدث في عهده أكثر مما حدث في عهد سلفه، وقد أثرى ثراءً غير عادي، فبعد نزوله من العمل بمشروع الجزيرة ــ وهو أحد أسباب فشله كما يقول المزارعون ــ امتلك مغلقاً صغيراً في عد بابكر، فأتى به لإدارة سندس قريبه رئيس المجلس التشريعي آنذاك صديق الشيخ، وقد بدأ بداية جيدة، ثم ما لبث أن احتضنه أخطبوط الفساد، ذلك أن المشروع الكبير أصبح مأكلة مهولة، فالأموال التي تأتي من البيع والإيجارات والاستثمار تدخل في الخزانة وتخرج كمنصرفات، حسب موظفين تحدثوا لـ (الإنتباهة)، فالمشروع باع أراضي كثيرة جداً وقبض أسعارها بالدولار من (جمعة الجمعة وبن لادن ومن الليبيين). وفي ذات الوقت يقولون (ماعندنا قروش)، وحتى الرودس يقومون بزراعته عن طريق آخرين ولا يدفعون نقوداً، ويضرب محدثي مثلاً بحجم فسادهم فيقول: (كان لديهم مكيف كونديشن متعطل، فاحضروا صيانة بـ (14) الف جنيه بينما سعر المكيف نفسه (15) الف جنيه)! أما الآليات والسيارات التي تم شراؤها ففيها (كوميشنات) كبيرة جداً، وهناك موظف مرفوت من ود مدني اسمه (ن) تم تعيينه، وقبل أن يكمل عامين اشترى فيلا في أبو آدم وامتلك عدة سيارات وأولاده يدرسون بالمجلس البريطاني، وهو يعرف كل أسرار المدير ويعملان سوياً في ما يخص السيارات واسبيراتها والأراضي والأسمدة)، ويصف محدثي هؤلاء الناس بأنهم عبارة عن (مافيا)، وتحدى أية جهة أو مؤسسة يوجد فيها فساد مثل الموجود في سندس.
ولاية منهوبة!!
ويمكن القول إن مشروع سندس عبارة عن ولاية كاملة، ففيه المساحة والتخطيط والإعلام والترويج، وإدارته ومحسوبوها عبارة عن عصابة كل فرد فيها يأكل ويعرف أن الآخر يأكل، حسب مصادرنا من داخل المشروع، وحتى الذين انتهت مدتهم تتم إعارتهم مرة أخرى حتى لا يفترقوا، مثل (ز) الذي يقوم الآن بتشطيب (3) عمارات، وهذا غير أراضي المشروع والأراضي الزراعية، ويغتصب حق الناس، ومن ضمن ذلك حقوق ملاك الأرض، كما يقول مأمون السني: (السوق به (3500) دكان، وعندما قمنا بحصرها وجدنا الدكاكين المواجهة لشارع الأسفلت باسمائهم، وقيمة الدكان حوالى (6) مليارات، فلا قدموا خدمات ولا طرق ولا (مزيرة) سبيل لجبل أولياء، وعوضاً عن ذلك آذوا الناس في القرى بالرودس، فالناس لا ينومون وأغنامهم أجهضت، وحتى الحمار (بعملوا ليهو ناموسية)، وفي عام 1996م عند افتتاح المشروع اشترى علي عثمان أراضي بقيمة تتراوح بين (2 ـ 6) مليارات بالقديم، ومنحها لإدارة سندس لتجمع كل القرى في منطقة المشروع في قرية واحدة تقدم فيها كل الخدمات من مياه وكهرباء ومدارس ومستشفيات ومساجد، وقد نشر الخبر في صحف اليوم التالي التي كانت تصدر في ذلك الوقت بـ(المانشيت) العريض حسب مأمون السني، ولكن لم يحدث ذلك، وغير معروف الوجهة التي توجهت إليها تلك الأموال!
وعن الرودس يقول مأمون أنه علف يستهلك مياهاً كثيرة ويصدر بالدولار، وغير معلوم أين عائد الصادر، فالذين دمروا مشروع الجزيرة أتوا بهم ليدمروا سندس، وهم عبد الباقي مصطفى وصلاح المرضى الذي كان رئيساً لاتحاد مزارعي السودان رغم أن سندس مشروع كبير وهادف.
أراضي الشركة الليبية
وفي ما يخص الشركة الليبية، فقد اشترت من سندس (2930) فداناً بواقع (293) مزرعة وزعتها لهم سندس في قطاعات مختلفة من المشروع، ولم تتسن لنا معرفة قيمتها المادية وقتها، ولم تحصل تلك الأراضي على الكهرباء والمياه اللازمة لريها، خاصة أنها متفرقة كما أسلفنا، ولم يعلم أحد بمصير تلك الأموال، خاصة أن الأرض لم تنتج فعلياً .
واتصلنا بسكرتارية المسؤول عن الاستثمارات الليبية في السودان شرف الدين، لنحصل على تفاصيل تلك الأراضي، ولكنه اعتذر بأنه على سفر، وستظل المساحة متاحة له للتعليق متى ما أراد .
ونكرر أننا ذهبنا لمقابلة المدير العام للمشروع المهندس الطيب محمد الطيب للرد على ما ورد أعلاه، ولكنه اعتذر بأن الأجواء السياسية غير مناسبة للتصريح، وستظل المساحة مفتوحة له متى ما أراد .
(نواصل).
تحقيق: هويدا حمزة
الانتباهة