صندوق النقد الدولي ينقذ الدول ام يورطها؟
في غمرة التعب والمعاناة التى تعيشها بعض الدول والتدهور الاقتصادي الذي تمر به بعض البلدان فان قيادات سياسية واحزابا وحتى الجمهور ينتظرون اعانة من المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد وغيره على أمل أن يسهم تدخل هذه المؤسسات المالية الدولية في إصلاح اقتصادي ومساعدة لهذه الدول في تجاوز المعاناة وحتى وان كانت مراحل العلاج صعبة وقد تكون قاسية الا ان البعض يصبرون أنفسهم ويحاولون التحمل على أمل أن يسهم ذلك في معالجة المشكل الذي يعانون منه.
ونتساءل مع غيرنا ممن يريدون للأمة ان تنتبه ولاتخدعها الشعارات البراقة هل هذه المؤسسات المالية الدولية صادقة وجادة في إدعائها مساعدة الدول في تجاوز محنتها؟ وهل يشكل تدخلها انقاذا لاقتصاديات هذه الدول ام توريط وتخدير واعطاء مسكنات وحلول مؤقتة تقود في النهاية الى تعميق الأزمة وزيادة معاناة هذه الدول وذلك عبر اخضاعها بالكامل للغرب وجعلها تابعة له منقادة لا تستطيع فكاكا منه.
ومما يؤسف له ان بعض الاكاديميين ومن يدعون العلمية والمهنية من بني جلدتنا يقدمون – في كثير من الاحيان – هذه المؤسسات المالية الدولية وعلى راسها صندوق النقد الدولي على أنه المنقذ والبطل المامول وينتظرون ان ينتشل اقتصادات الدول من انهيارها المحتّم، ويفترضون بل يجزمون انه سيتمكن من الإصلاح الاقتصادي في هذه الدول ، لكن وبقليل من الملاحظة والانتباه نجد إن الواقع مخالف تمامًا – ولنكون دقيقين دعونا نقول في أغلب الحالات – للأهداف المرسومة والامال المنتظرة ان صندوق النقد الدولي، يفرض على الدول التى يتدخل فيها تطبيق شروطه وبحسب التجربة فإنها تسهم فعليًا في خلق مشاكل اقتصادية كارثية جديدة.
ولتتضح الصورة أكثر ننقل بإختصار الكلام أدناه وهو كاف لشرح ما قلناه وتبيينه.
يشرف الصندوق على السياسة النقدية والمالية للبلدان، ويخصص الأموال لأي دولة عضو تواجه عجزًا في ميزان المدفوعات، أي أن مهمته تتمثل في منع أزمات العملة عندما تصبح الدولة في وضع مفلس.
ولابد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها المبادر الرئيس إلى إنشائه وصاحبة الحصة المسيطرة في مجلس إدارة هذه المؤسسة الائتمانية، احتفظت لنفسها بسلطة لا ينازعها فيها أحد، حيث تستطيع من خلالها أن تسيطر ماليًا على اقتصاد أي دولة تقع في قبضة هذه المؤسسة.
ولانحتاج لكثير تفكير وانتباه لنكتشف ان صندوق النقد الدولي أداةً لتطبيق مبادئ النظام النيوليبرالي، القائم على تحرير حركة رأس المال واعتماد مبدأ الخصخصة وغيرها، وهو فعليًا لا يسعى لمساعدة الدول في تحقيق استقلاليتها الاقتصادية، بقدر ما أنه يهدف لتحسين صورة الأرقام الاقتصادية بعيدًا عن إيجاد حلول جذرية للمشاكل. وفي نفس الوقت يقدم صندوق النقد ضمانات للمستثمرين بإمكانية الاستثمار في بلد ما، بهدف جذب رؤوس الأموال، مع إهمال الشق المتعلّق بالسياسات والبرامج الإصلاحية للهيكلية الاقتصادية في هذا البلد، مما يعني أيضًا أن المشاكل الجذرية لن يتم حلّها وهذا ما يريده بالتحديد صندوق النقد.
وتتعدد الأمثلة والحالات التي تعكس حقيقة ما يقدمه صندوق النقدي الدولي، ولعلّ أبرزها ما حصل في المكسيك والسودان والصومال ومصر وغيرها من الدول. وسنقف في مقال لاحق بإذن الله تعالى على نماذج من ضحايا صندوق النقد الدولى
سليمان منصور