زین العابدین صالح عبدالرحمن
كان الأمل بعد سقوط الإنقاذ ، أن یعتمد العمل على الأحزاب التاریخیة (الأمة – الاتحادي – الشیوعي) باعتبار
أنھا قد تكون قد استفادت من تجارب التاریخ منذ الاستقلال والنظم التي مرت على الحكم ، وتبدأ في فتح حوار سیاسي یطال كل القضایا كبدایة لبناء الثقة في الساحة السیاسیة وتضع قضیة (التحول الدیمقراطي)
ھو الھدف الأول في جدول أعمالھا ، وتكون قد تأكدت أن المناكفات السیاسیة بینھا ، ومحاولة جلد الأخرین ، واستقلال النفوذ وإطلاق شعارات بھدف فزاعات كلھا أدوات تعیق عملیة التحول الدیمقراطي ، خاصة أن
%70 من الشعب شباب دون الاربعین لم یمارس الدیمقراطیة. یحتاج إلي توعیة تركز بأحترام الرأي الأخر ، وبناء الثقة بین المكونات السیاسیة مھما كانت المرارات بھدف الوصول لعملیة التحول الدیمقراطي دون أن
تكون ھناك عوائقا ، وأحترام الأحزاب باعتبارھا مؤسسات تشكل القاعدة الأساسیة للدیمقراطیة ، وأحترام الأحزاب لا یعني عدم نقدھا والاختلاف معھا في حدود مقتضیات الدیمقراطیة . لكن للأسف لم تفعل ذلك القوى
التقلیدیة من ضمنھم الشیوعي ، بل ذھبت مباشرة للصراع حول كیف تتم السیطرة على السلطة ، و التعامل معھا من خلال مصالح حزبیة ضیقة تضیع فیھا معالم التوجه نحو عملیة التحول الدیمقراطي. في اجتماع
اللجنة المركزیة للحزب الشیوعي الأخیر طالبت الكل من خلال أدواتھم المختلفة للتصدي للقوى التي تقف ضد تحقیق مطالب ثورة دیسمبر ، وأحتراما للمطلب أقدم أول مقال حتى جمیعا نرعوي لصوت العقل على أن یكون الوطن أولا والدیمقراطیة ھي الحقیقة التي یجب أن تكون .
في كلمة جریدة الأیام یوم 10 /2 /2022م جاء في إفتتاحیة الكلمة فقرة ترجع للتاریخ تبین دور الحزب الشیوعي في ثورة أكتوبر . الكلمة تحاول أن تغیب الحقیقة عن الأجیال الجدیدة ، تقول الكلمة في افتتاحیتھا ” أثناء مقاومة شعبنا الأول دیكتاتوریة عسكریة في أعوام 1958 – 1964م ، طرح حزبنا على الأحزاب المعارضة وثیقة الاضراب السیاسي و العصیان المدني كأدوات لإسقاط نظام عبود . رفضت أحزاب الأمة والاتحادي وجماعة الأخوان طرح الحزب الشیوعي من ثم توجه الحزب إلي الجماھیر . وبدأ في عملیة تعبئة وتنظیم القوى الجماھیریة في عمال وزراع ومھنیین وطلاب ونساء .” ھذه البدایة یرید الحزب الشیوعي أن یقول ؛ ھو الذي صنع أكتوبر وھذه فریة. دعوة الحزب للعصیان كانت تغالط موقفه من نظام عبود ، حیث شارك الحزب الشیوعي في البرلمان الذي كان قد كونھ نظام عبود العسكري الدیكتاتوري (المجلس المركزي)
وجاءت مشاركة الشیوعي بعد زیارة رئیس الاتحاد السوفیتي برجنیف للسودان في نوفمیر 1961م ، والتي
استغرقت عشرة أیام كاملة، بعدھا كون البرلمان العبودي وشارك الحزب الشیوعي فیه . المسألة الثانیة ثورة أكتوبر بعد بدایة الثورة في 20 أكتوبر أصدر الحزب الشیوعي بیانا یقول فیخ “أن عوامل الثورة لم تنضج بعد” وعندما اشتد الصراع وكانت جماھیر الاتحادي والأمة والأخوان في الشارع بكثافة ، وأصبح التحدي
للإسقاط ، غیر الحزب رأیه لكي یحصل الثورة . وفكرة المتاریس التي جاء بھا فاروق أبوعیسي ذكاء من الرجل لكي یمحي معالم ذلك البیان الكارثي . حیث أدعا الرجل أن ھناك تحرك من القوات المسلحة لإجھاض الثورة ، ولابد من صناعة متاریس ، رغم أن قیادات الجیش ھي التي كانت قد ضغطت على عبود تسلیم السلطة للقوى السیاسیة . ولقیادات الأحزاب (التقلیدیة الأخرى) وبعد سقوط نظام عبود لم تحاسب الأحزاب
التقلیدیة الحزب الشیوعي على مواقفه ، وتطلق علیه المسمیات التي یطلق على الأخرین ، بل تعاملت معه
باعتباره أحد المكونات السیاسیة والضروریة للعمل السیاسي ، بھدف نجاح عملیة التحول الدیمقراطي ، ودلالة على ذلك : إنھا سمحت بتكوین الحكومة من جبھة الھیئات ، وھي تعلم أن الحزب الشیوعي یعمل وسط الجماھیري من خلال وجھات متعددة . ولكن عندما حاول أن یسیر في اتجاه حزبي دون الآخرین، و عندما رأت أن العملیة تنحرف عن مسار الدیمقراطي حلت حكومة سرالختم الخلیفة الأولى . المكونة من جبھة الھیئات.
أما علاقة الحزب الشیوعي بالقوات المسلحة وأختراقھا ، وجرھا للعمل السیاسي ، لیس فریة تقول بھا القوى
السیاسیة ، بل ھي حقیقة تاریخیة مثبته في انقلابین 1969 – 1971م ، ومارس الحزب الشیوعي أیضا القتل ضد الجماھیر في ود نباوي والجزیرة أبا قبل أن یختلف مع العسكر، و ما فعله محجوب عثمان عندما كان وزیر للاعلام عندما توفي الزعیم اسماعیل الأزھري رائد الحركة الوطنیة وقائد مسیرة الأمة للاستقلال ،
ورئیس مجلس السیادة ، عندما أذاع “مات الیوم أسماعیل الأزھري المدرس بالتربیة والتعلیم” ورغم
ذلك ؛ تغاضى الناس عن ذلك حبا للوصول للمسار الدیمقراطي ، الذي كان یعیقه الحزب الشیوعي من خلال توجیه واجھاته بكثرة الإضرابات التي تشل قدرة الحكومات الدیمقراطیة في انجاز مھامھا . وانقلاب 19
یولیو 1971م الذي لم یستمر ثلاثة أیام اسقطته الجماھیر قبل العسكر ، والسبب الأول الخطاب الذي تلاه الشفیع أحمد الشیخ یوم 20 یولیو في اجتماع اللجنة المركزیة لاتحاد نقابات عمال السودان الذي توعد فیه
القیادات النقابیة غیر الشیوعیة بالتطھیر والمطاردة ، ھؤلاء ھم الذین كانوا سببا في نھایة الانقلاب . وللتعرف لموقف الحزب المبدئي عن العمل النقابي ، أرجع إلى التعدیلات التي حدثت لأول مرة سیاسیا في قانون العمل النقابي والذي أحدثھا فاروق أبوعیسى عندما كان وزیرا للعمل في عام 1970م لكي نعرف من القوى السیاسیة التي ربطت العمل النقابي بالسلطة التنفیذیة وتكون تحت سیطرتھا وخاضعة لھا . ألیس ھذا ھو صراع الأیدیولوجیة وتریدون رمیھا على ألأحزاب التقلیدیة.
كان المتوقع أن القیادات الاستالینة التي تقبض على مفاصل الحزب الشیوعي ، أن تتواضع وتستفید من
أخطائھا التاریخیة منذ رفضھا للحكم الذاتي عام 1954م ، ثم جاءت وأعتذرت عن موقفھا ذلك، الآن ترید أن تجعل من الثوریة التحكم على الأخرین ، وھي ثوریة مبھمة لیس له علاقة بقضیة التحول الدیمقراطي ، ویجب على الأجیال الجدیدة قراءة تاریخ بلدھم المعاصر المعرفة من الذین كانت لھم مساھمات كبیرة في ضیاع الدیمقراطیة ، وجاءت تجربة 11 إبریل 2019م وكان المتوقع أن تصبح تجارب التاریخ نبراسا للكل ، لكن
للأسف الكل أخطا ، ویجب على الجمیع الجلوس وتقیم التجربة بموضوعیة، بعیدا عن عملیة غسل الیدین للذین كانوا جزءا من آكلة الولیمة. وترجع القوى السیاسیة للعقل لكي یكون صوت الوطن ھو الأعلى ، لكن للأسف أن الزملاء لا یریدون ذلك ، ویعتقدون أنھم ھم ورثة الإنقاذ بشعارات الھدف ھم أكثر الناس بعدا عنھا
حتى داخل تنظیمھم.
تقول كلمة المیدان في الفقرة الثانیة ، ترید منھا براءة الذمة ، تقول “وبدأت واضحا منذ تلك التجربة ان التحالف الفوقي دون بناء قاعدة جماھیریة لن یستقیم وھكذا أثبتت تجربة النضال ضد الدیكتاتوریة جماعة ألإخوان . فتحالف قحت الذي تصدى لقیادة الحراك الجماھیري انحرف عن مسار الثورة تحت ضغط المجتمع الدولي والإقلیمي وقبل مشاركة اللجنة الأمنیة وبقیة القصة معروفة” . الیس الحزب الشیوعي كان جزءا
من قیادة قحت ، وشارك في جمیع اجتماعات قحت مع المجلس العسكري قبل وبعد مجزرة اعتصام القیادة ، ألیس الحزب الشیوعي وواجھاته جمیعا ھم كانوا جزءا من اختیار الحكومة. وإذا كانت الأحزاب اختارت استبدال الولاء بولاء أخر ، خاصة في الخدمة المدنیة ، أیضا الحزب الشیوعي كان جزءا من ھذه العملیة ، رغم
أن الحزب الشیوعي كان قد أصدر بیانا أدان فیه تسیس الخدمة المدنیة ، لكن الحزب الشیوعي دون الأحزاب الأخرى ، یعمل من خلال الوجھات المختلفة ، ویمارس ما یدینه من خلال واجھاته ، كأن ھؤلاء الساسیین اغبیاء . أن الصراع على السلطة ھو الذي جعل الفشل في الثلاث سنوات الماضیة ، ویجب الآن وقفة للتقیم وتحكیم العقل أن یكون الحوار بین الجمیع ھو الدخل للحل . ألیس لینین القائل نقف في منابر الرجعیة لكي نسمعھم صوتنا . أي خیار غیر الحوار الوطني الذي یؤدي للتوافق ھو الحرث في البحر .
كما قال فوكلر وولد لبان “انزلاق السودان نحو مصیر مجھول حال لم تتمكن الأطراف من التوصل لحل ینھي
الأزمة السیاسیة المتطاولة في أسرع وقت” . یجب علي أبناء السودان مغادرة دائرة المصالح الحزبیة ، وجعل الوطن ھو الھم الأول ، وعلیه تحكیم صوت العقل ، كل التجارب السابقة سعت فیھا القوى السیاسیة أن تنفرد
بالسلطة دون الأخرین ، وقد فشلت تماما في ذلك ، وعلى الذین یراھنون على السیر في ذات الاتجاه تعدیل المسار. الدیمقراطیة لا یمكن أن تنجح في أي مجتمع بجزء من القوى السیاسیة ؛ الدیمقراطیة تحتاج لأكبر
قطاع من الشعب یلتف حولھا . وأعملوا من أجل تشیید صروح الدیمقراطیة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ، ومن خلال مواعین الدیمقراطیة تعاركوا وفقا لقوانین اللعبة الدیمقراطیة . نسال الله حسن البصیرة .
المصدر الراكوبة