تتواصل ردود الأفعال الداخلية والخارجية بعد أن أصدر مجلس الأمن قرارا يطالب فيه طرفي الحرب في السودان بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان المعظم وفتح الممرات الآمنة لعبور المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في مختلف أنحاء السودان.
الأبعاد القانونية للقرار
قال الأستاذ المعز حضرة المحامي في حديث لراديو دبنقا أن الأمر في البداية تعلق بمشروع قرار يدعو الأطراف لوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان والمساعدة في إيصال المعونات الإنسانية قبل أن يتحول إلى قرار لمجلس الأمن بعد أن صوتت 14 دولة لصالح مشروع القرار وامتنعت روسيا عن التصويت. مما يعني أن القرار نال موافقة أغلبية الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في المجلس وبالتالي هو قرار ملزم لأن مجلس الأمن يمثل أعلى سلطة في الأمم المتحدة. ويستوجب ذلك على القوات المسلحة وقوات الدعم السريع تنفيذه.
وأشار الأستاذ المعز حضرة المحامي إلى أنه قبل صدور القرار بشكله النهائي، أصدرت خارجية الأمر الواقع في بورتسودان بيانا وضعت فيه 4 شروط مما يعني عمليا رفض القرار وهذا إن دل فإنما يدل على أن وزارة الخارجية ونظام الأمر الواقع في بورتسودان ليس لديهم إحساس بمعاناة الشعب السوداني داخل السودان وخارج السودان. حيث يموت طفل كل ثانية في معسكرات اللاجئين في تشاد وذكرت تقارير الأمم المتحدة أن خمسين بالمائة من السودانيين يعانون من المجاعة والمرض.
رفض مبطن للقرار
وعبر الأستاذ المعز حضرة في حديث لراديو دبنقا عن دهشته من رفض الحكومة لوقف إطلاق النار في رمضان ومنع وصول المساعدات إلى مستحقيها إلا بشروط ما يعني رفضا مبطنا للقرار الصادر عن مجلس الأمن. واعتبر أن الدعم السريع كان أكثر ذكاء بقبوله بالقرار. وبالتالي يمكن لمجلس الأمن في مرحلة لاحقة تبني عقوبات ضد الطرف الرافض للقرار بتحويله إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب لرفض وقف إطلاق النار ومنع وصول المساعدات للمدنيين وعبر قرار جديد يعتبر ذلك جرائم جرب وجرائم ضد الإنسانية.
وأشار الأستاذ المعز حضرة إلى أن القرار الأخير لم يصدر تحت أي من الفصلين السادس والسابع، مما يضع الأطراف أمام مسؤوليتها في تنفيذ القرار وفقا لميثاق الأمم المتحدة، مع العلم أن صدور القرار تحت الفصلين السادس والسابع يفتح الباب أمام فرض العقوبات الدولية التي يمكن أن تصل إلى حد التدخل الدولي. رغما عن ذلك، أي قرار يصدر من مجلس الأمن بأغلبية تسعة أعضاء وبدون استخدام أي دولة لحق الفيتو يعتبر قراراً ملزماً لكل أعضاء الأمم المتحدة وللأطراف المعنيين بالقرار. ويعطي القرار بشكله الحالي الفرصة لطرفي الحرب لتنفيذه دون اللجوء للعقوبات ولكن في حال رفض أي طرف تنفيذ القرار سيلجأ مجلس الأمن لإصدار قرار جديد تحت الفصل السابع يفرض بموجبه العقوبات.
القرار صدر بسهولة
من جانبه، رحب الأستاذ طارق إبراهيم الشيخ المحامي في تصريح لراديو دبنقا بالقرار الصادر عن مجلس الأمن بالنظر لأنه يمثل اهتماما للسودانيين داخل وخارج البلاد لتعلقه بحياة ومستقبل المواطنين بعد أن شهد الجميع ويلات الحرب وأثارها الصعبة. الملفت أن القرار صدر بسهولة وعدم وجود ممانعات بعد أن صوت 14 عضو لصالح تبني القرار وامتناع دولة واحدة عن التصويت، هي روسيا ولأسباب سياسية خاصة بها. وبالتالي يمكن أن نعتبر أن صدور القرار بالإجماع مصدره أنه متعلق بالأسباب الإنسانية.
وأوضح الأستاذ طارق إبراهيم الشيخ المحامي في حديثه لراديو دبنقا أن مجلس الأمن يتمتع بسلطات واسعة وفقا للمادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة ومن بينها الحفاظ على الأمن والسلمي العالمي وفرض عقوبات دولية على الدول وحتى السماح باستخدام العمل العسكري. كما أن مجلس الأمن هو الجهة الوحيدة في مؤسسات الأمم المتحدة التي يخول لها إصدار قرارات ملزمة للدول الأعضاء، لذلك فإن القرار ملزم للحكومة السودانية بأي حال من الأحوال ولن يجدي إبداء الممانعة.
واعتبر الأستاذ طارق إبراهيم الشيخ أن تصريح ياسر العطا، مساعد القائد العام للقوات المسلحة، في كسلا تصريح غير موفق ومثل هذه الاعتراضات تثيرها الكثير من الدول ذات الأوضاع المتشابهة وتذهب في اتجاه تجاهل هذا النوع من القرارات.
سلطات واسعة لمجلس الأمن
وشدد طارق الشيخ المحامي على أن تجاهل القرارات لا يعني عدم تنفيذها لأن الميثاق نفسه في المادة 41 خول لمجلس الأمن اتخاذ تدابير أولوية تحد من قدرات الدولة وتجبرها على تنفيذ القرار ويمكن أن يتم ذلك عن طريق قطع الاتصالات مع الدولة ووقف تبادل البريد وقد يصل الأمر إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية. وفي حال أصرت الدولة على موقفها، يمكن لمجلس الأمن وفق المادة 42 من الميثاق استخدام القوة العسكرية لتنفيذ هذا القرار. وتلزم المادة 43 من الميثاق كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتقديم كل المساعدات الممكنة وتوفير القدرات العسكرية ووضعها تحت تصرف مجلس الأمن.
وأضاف طارق الشيخ المحامي أن القرار بشأن السودان هو فرصة للمجلس لاستعادة دوره الذي تعطل بسبب التجاذبات بين الدول دائمة العضوية بشأن النزاعات في أوكرانيا وغزة خصوصا وأن استهانة كثير من الدول بقرارات المجلس مرتبطة بالصراعات الداخلية في أروقة مجلس الأمن.
وطالب الأستاذ طارق الشيخ المحامي القوات المسلحة بتنفيذ القرار خصوصا بعد أن رحبت به قوات الدعم السريع لأنه متعلق بحياة السودانيين حيث يواجه الملايين منهم المجاعة حاليا. وثمن الأستاذ طارق الشيخ المحامي في حديثه لراديو دبنقا مبادرة هيئة محامي دارفور بشأن الأوضاع الإنسانية في إقليم دارفور والتي ساهمت في لفت أنظار العالم إلى حقيقة الأوضاع الإنسانية في السودان.
تفهم دولي وإقليمي لطبيعة النزاع
أما الأستاذ حمزة بلول، وزير الثقافة والإعلام السابق والقيادي بالتجمع الاتحادي، فقد ذهب إلى القول أن المجتمع الدولي والإقليمي أظهر تفهما كبيرا للنزاع في السودان عبر إصدار قرار مجلس الأمن الداعي للهدنة في السودان ومن ثم إيقاف الحرب بشكل نهائي. وأشار الأستاذ حمزة بلول في حديث لراديو دبنقا أن الدعم الواسع الذي وجده القرار من المحيط الإقليمي يؤكد أن الجميع يمضون الأن في طريق السلام والضغط على المتحاربين لإيقاف هذه الحرب.
ونوه القيادي بالتجمع الاتحادي في تصريح لراديو دبنقا إلى أن الخطورة الأساسية تكمن في موقف طرفي الحرب، حيث رحبت قوات الدعم السريع بالقرار باعتبار أنهم ضد الحرب ومع السلام ولكن لا يمكن عزل هذا الموقف من الانتهاكات الواسعة التي ترتكبها قوات الدعم السريع في المناطق التي يسيطر عليها وخصوصا في ولاية الجزيرة في الفترة الماضية. الجيش بدوره يمارس انتهاكات كبيرة ضد المدنيين من إخفاء وقتل على الهوية وفي المقابل أكد ممثل الجيش في الأمم المتحدة أنه مع القرار وأن الفريق البرهان يدعم القرار، لكن مساعده ياسر العطا أكد في لقائه في كسلا مع قوات جبريل إبراهيم أنهم ضد القرار وأنهم لن يوقفوا الحرب بأي حال وطرح شروط تعجيزية لوقف الحرب لا يمكن فرضها إلا في حال انتصار أحد الطرفين بشكل حاسم.
ممارسة الضغط على الطرفين
وطالب وزير الثقافة والإعلام السابق بالضغط على الطرفين من أجل تنفيذ القرار الآن وليس غدا. ومن المهم أن تستوعب العملية التفاوضية الأقاليم التي يسيطر عليها كلا الطرفين وليس فقط المناطق التي تشهد قتالا. المهم الآن أن تتوقف الحرب بشكل فوري والبدء في إغاثة الجوعى وعلاج المرضى وفتح المسارات الإنسانية ومن ثم متابعة قضايا النازحين واللاجئين وهي تمثل أولوية وبعد ذلك فقط يمكننا الحديث عن إعادة الإعمار والتنمية وبقية القضايا التي خرج من أجلها الملايين في ثورة ديسمبر المجيدة.
ودعا الأستاذ حمزة بلول بضرورة التوجه لطاولة التفاوض بقلب مفتوح للتوقيع على اتفاق سلام ينهي هذه الحرب بشكل كامل ومن ثم يتم إطلاق عملية سياسية تستوعب الجميع، عدا المؤتمر الوطني وواجهاته، لأنه تنظيم مسلح وإرهابي لا يمكن أن يشارك في أي عملية لتصل إلى غاياتها. وتمنى أن يكون مدخل لنهاية الحرب وأن تتراجع أجندة دعاة الحرب وأن تحل مكانها أجندة دعاة السلام والتنمية ودولة الرفاه وهي الأجندة التي يستحقها هذا الشعب الذي عانى طويلا.
المجتمع الدولي ما زال بعيدا
ويقول الصحفي أحمد خليل أن الملاحظ في الآونة الأخيرة أن هناك تصاعد في أصوات المجتمع الدولي الداعية لوقف الحرب وفي هذا الإطار جاء قرار مجلس الأمن. وأوضح أحمد خليل في حديث لراديو دبنقا أن المجتمع الدولي ظل لوقت طويل بعيداً عن القضية السودانية وأنه لم يقم بواجبه بالشكل الصحيح في مواجهة ما يحدث من انتهاكات على الأرض والنقص في الغذاء والخدمات الأساسية وأن المجتمع الدولي في حاجة لمواكبة ما يحدث في السودان.
واعتبر أحمد خليل أن مطلب وقف الحرب في رمضان جيد ولكنه غير كافي. حيث نحتاج إلى تشديد الضغوط على طرفي الحرب من أجل وقف العمليات الحربية ويعقب ذلك انطلاق العملية السلمية والمفاوضات. وأشار إلى أن مساعد القائد العام، الفريق ياسر العطا، ظل يغرد خارج السرب وهو يصطف إلى جانب دعاة استمرار الحرب الرافضين لأي هدنة دون الأخذ بعين الاعتبار المأسي التي تسببت فيها هذه الحرب والكثير من الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنين السودانيين.
وذكر الصحفي أحمد خليل إلى أن هناك حاجة لعمل سياسي وإعلامي كبير من أجل إيقاف هذه الحرب حتى تتوقف معاناة ملايين النازحين واللاجئين وأن يعود المواطن السوداني إلى مدنه وقراه.
المصدر: دبنقا