اعتادت بيرسيفوني ريزفي على قضاء عطلات نهاية الأسبوع في حفلات صاخبة تستمر حتى صباح اليوم التالي، لكنها مع ذلك لم تكن تشعر بالسعادة، وإنما بالبؤس. وهي هنا تكشف كيف أن اعتناقها الإسلام قد غير حياتها.
“عندما كنت مراهقة كنت مثل ثور هائج في متجر للأواني الخزفية”
كانت الحفلات أهم ما في عطلات نهاية الأسبوع، وكل شيء يدور حولها. في تلك الأيام كان ما يشغلني هو: هوية من سأستخدم؟ (بسبب شرط العمر لدخول النوادي الليلية)، ماذا سأرتدي؟ ثم يأتي دور السؤال بخصوص المكان الذي سنشرب به قبل الحفلة، وثم من سيأخذنا إلى المدينة؟
ولا تنتهي الحفلة في الملهى قبل الرابعة أو الخامسة صباحا، ثم ننتقل إلى حفلة في أحد المنازل، وبعدها الاستيقاظ مع صداع شديد بسبب الكحول.
كما أتذكر المعارك التي كنت أخوضها مع الفتيات في تلك الأيام، ورماد السجائر المتساقط علي.
لذلك اعتنقت الإسلام.
كنت ألجأ إلى الكحول كوسيلة للتعايش مع مشاكلي، وأمر بتجارب استنزاف عاطفي، ولم أستطع حقا فهمها أو التعامل معها. كنت أعاني لكي أجد لحياتي هدفا، وأردت أن أقوم بما هو أفضل لنفسي. ولم أكن أعرف ما الذي أفعله.
ذات يوم، دخلت المنزل باندفاع وأنا أصيح “إنني مسلمة الآن!”
كنت قد التحقت بالجامعة في الصيف الذي سبق ذلك، وعملت خلال العطلة الصيفية في مركز اتصالات. وكانت إحدى صديقاتي هناك تدعى حليمة وهي مسلمة. فصمت معها شهر رمضان، وكان ذلك أول تعرّفي على الدين الإسلامي.
لم أكن في تلك المرحلة أفكر في أن أعتنق الدين، لقد كان الأمر بالنسبة لي يتعلق بتحد شخصي. وكان غروري الشخصي يقول لي، “إنها 30 يوما من الصيام، يمكنك القيام بذلك”.
عندما بدأت الصيام للمرة الأولى كنت لا أزال أذهب إلى الحفلات وأشرب الكحول، لكن نظرتي وقناعاتي بدأتا بالتغير. وأصبحت تراودني أفكار من قبيل “أنا أفضل من هذا، أو قيمتي أكثر من هذا”.
لقد ولّد لدي شهر الصيام مشاعر الإيثار والامتنان، وأعطاني الوسيلة للاهتمام بنفسي والتي كنت في أمس الحاجة إليها. كان ذلك بمثابة بطاقة دخولي إلى الإسلام
نشأت وأنا أذهب إلى مدرسة الأحد. كان والداي يرغبان في أن يكون لدينا أنا وأختي فهم للإيمان. أبي بريطاني أسود، وكان في طفولته يذهب إلى الكنيسة، وكانت أمي ترغب في أن تكون لدينا معرفة وفهم للدين، لكنهما لم يفرضا ذلك علينا. كما لا يوجد أي أشخاص مسلمين متدينين في عائلتي.
خلال سنتي الأولى في الجامعة، كنت أبحث بجدية لأعرف أكثر عن الإسلام وتعاليمه، وأفكر في أن أصبح مسلمة. كنت أتنقل بين الجامعة في سالفورد ومنزل والديّ في هدرسفيلد، لكنهما لم يعرفا مدى اهتمامي بالإسلام. أخفيت الأمر جيدا إلى أن اقتحمت المنزل ذات يوم مرتدية حجابي وأنا أصيح “إنني مسلمة الآن!”
أصيب والداي بالصدمة والارتباك، لكنهما لم يكونا غاضبين. طرحا علي الكثير من الأسئلة بخصوص اختياراتي، وأرادا التأكد من أنني كنت أتخذ القرار الصحيح. اعتبر أبي أنني مبالغة في حماسي، وعندما أنظر إلى الوراء الآن أرى أنني فعلا لم أكن معتدلة، أردت أن أفعل كل شيء من خلال الكتاب من دون فهم تفسير القرآن بشكل صحيح. أردت أن أبذل قصارى جهدي وأن أفعل كل شيء عن قناعة.
“الرجال لم يعودوا يزعجونني بعد أن أصبحت أرتدي الحجاب”
هذا يعني أنني تخلصت من أكياس عدة من الملابس التي أعتقدت أنها لم تعد مناسبة، وأزلت أظافري المستعارة الطويلة، وغيرت اسمي على وسائل التواصل الاجتماعي، وحذفت الكثير من الصور غير اللائقة، وأنشأت صفحة جديدة على فيسبوك. أصبحت أعتقد أن كل تلك الملابس الغربية (حرام) محظورة في الإسلام. شعرت أنني لا أستطيع أن أجلس بقرب أي شخص يشرب الكحول، ولم أعد أذهب إلى الأماكن التي يكون فيها اختلاط للجنسين
في تلك المرحلة، كنت شديدة الحفاظ على الخصوصية بشأن رحلتي مع الدين، ولم أحب الأسئلة المتعلقة بذلك. أصبحت أكثر استرخاء وتقبلا الآن، وإذا أراد أحد الأصدقاء تناول مشروب، لا أثير ضجة، فهذا اختياره في النهاية.
في المجتمعات المسلمة، الناس لديهم آراء فردية وحدودهم الخاصة المتعلقة بتقبلهم التواجد بقرب من يشرب الكحول أو شكل الملابس التي يرتدونها، ولكنني حتى الآن، أغير أسلوب وضع حجابي بحيث يغطي صدري بشكل أفضل في وجود رجال حولي.
أشعر الآن براحة أكبر. ويمكنني التنقل من مكان معين إلى آخر من دون أن يعترض أحدهم طريقي، في حين أنني بأسلوبي السابق في ارتداء الملابس، كنت معتادة أن يعترضني كثيرون. وخلال عشر دقائق من المشي إلى الجامعة مثلا، كانوا يستوقفونني نحو خمس مرات. الرجال الآن لا يزعجونني على الإطلاق!
أنا لا أقول أن تلك القرارات كانت خاطئة، لكنها لم تأت بشكل تدريجي – لقد قفزت إليها مباشرة. وهذا يعني أيضا أنني شعرت أن الأصدقاء الذين كنت أعرفهم لم يعودوا يتناسبون مع عالمي. كنت أشعر أنني مسلمة وأسعى جاهدة لاتباع أسلوب حياة معين، في حين لم يكن ذلك حال أصدقائي.
كنت لا أزال في الجامعة عندما نطقت الشهادة. لم أكن أخطط لذلك، لكنني ذهبت إلى مسجد إكليز في سالفورد وأنا احمل قائمة من الأسئلة للإمام. أجابني عليها، وقال “كرري ورائي …”، ففعلت، قال لي “مبروك ، أنت مسلمة الآن!”. كنت مرتبكة للغاية، لكنني مسرورة لأنني فعلت ذلك أخيرا.
رحبت بي الجالية المسلمة بحرارة. وقد قابلت عددا من صديقات العمر من خلال الإسلام – ذكرنني بما يفترض أن تكون عليه الأخوة. يمكننا التحدث إلى بعضنا بصراحة تامة، نشعر بالاسترخاء معا وانه لا داعي للحذر، كما أننا نستمد العزاء من بعضنا البعض حين نمر بأوقات صعبة. صديقاتي هن أقوى نظام دعم لي، وقد تعلمت مع مرور السنوات أهمية اختيار الأشخاص الذين يحيطون بك.
“حاولت إنهاء حياتي”
الفتاتان اللتان تظهران في الفيلم، توحيدة وريما، تمثلان حرفياً بالنسبة لي الدرع الحامي والدليل الذي يقود خطاي للخير ودخول الجنة. فهما تذكراني طوال الوقت بأن هذه الحياة ليست مستقرنا الأخير، ومبدأ “ان الحياة تعاش مرة واحدة”، لم يعد يناسبني إن كان يعني التهور.
لم أتمكن من التصرف كما يجب بكافة الأمور، ولم أفهم كل الأشياء بشكل صحيح. لقد انتكست عدة مرات، وشربت الكحول عندما تراجعت حالتي النفسية والعقلية، ولكن ذلك كان في مرحلة مبكرة من مسيرة تحولي.
لم يعد هذا يحدث منذ فترة طويلة الآن. وفي كل مرة كان الانتصار لتصميمي على التعافي ورغبتي بالتصرف بشكل أفضل. والآن لا أفكر مرتين حتى في الاستسلام للإغراء. يبدو أن خطر الانتكاس قد أصبح من الماضي الآن. لا بأس في أن تحصل بعض الأخطاء، وهذا لا يعني أنني لست ملتزمة بالدين.
والداي يدعمانني بقوة، لقد شاركاني في الحقيقة الصوم عدة مرات. كان قلقهما الرئيسي هو أن أتغير بحيث لا أعود أنا نفسي، لكن كما شاهدا على مر السنوات، ما زلت أنا، لكن فقط بنسخة ثانية! أصبحت أكثر احتراما، وسلاما، متصالحة مع نفسي، وأكثر إدراكا للعالم وكيف تؤثر أفعالي على الآخرين.
أعتقد أن أمي استمتعت بالفعل بتحدي نفسها لتعرف ما الذي أعتبره أزياء محتشمة مناسبة لي. فقد كانت دائما مستشارتي الخاصة للموضة. وصديقاتي المسلمات لا يمكنهن تصديق أن ملابسي أخذتها في الحقيقة من خزانة أمي، وارتديتها بطريقة لتناسب أسلوبي المحتشم!
لقد عدت لزيارة حديقة غرين هيد في هدرسفيلد، حيث سبق أن أمضيت أوقاتا جميلة حقا، وأوقاتا صعبة أيضا. عندما ساءت صحتي العقلية جدا، حاولت إنهاء حياتي في تلك الحديقة.
وصولي إلى حالة السكر الشديد قادني إلى أفكار سوداء عديدة. كان ذلك بعد فترة سيئة حقا استيقظت فيها مرة عارية على أرضية المطبخ، وحينها أدركت أن علي إجراء تغيير. فقد أغمي علي لفرط الشرب. وشعرت أنني في الجحيم.
وهذا ما يجعلني أقول إن الإسلام فعلا أنقذني، لأنني الآن أعرف أفضل الطرق للتعامل مع تلك الأوقات العصيبة. لم أكن لأستطيع التأقلم لولا الصلاة والاهتمام بصحتي النفسية والجسدية. لولا الإسلام.
إنها قصة بيرسيفوني ريزفي كما أخبرتها للصحفية ثيا دي غاليير، وهي جزء من فيلم وثائقي جديد إنتاج قناة بي بي سي 3 تكشف فيه بيرسيفوني كيف أنقذ الإسلام حياتها
المصدر بي بي سي