كشفت مصادر مصرية خاصة عن بدء جهاز المخابرات العامة المصري عقد سلسلة من اللقاءات مع شخصيات عامة وممثلين لأحزاب سودانية في مقر الجهاز في القاهرة، خلال الأيام القليلة الماضية.
وقالت المصادر، لـ”العربي الجديد”، إن تحركات مصر الأخيرة على صعيد الملف السوداني هدفها الأساسي تشكيل رافعة أساسية لحليفها في السودان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ومحاولة تكوين طبقة سياسية داعمة له في مواجهة التحركات التي يقوم بها نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، المدعوم من الإمارات.
معركة مصرية لدعم البرهان بمواجهة حميدتي
وزار البرهان القاهرة، الأسبوع الماضي، برفقة مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، واستُقبل بمراسم رسمية، ثم عقد خلال الزيارة سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولين مصريين، تقدمهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وقالت المصادر إن القاهرة تخوض معركة حثيثة لدعم البرهان في مواجهة التحركات الإماراتية الرامية للدفع بحميدتي إلى الواجهة السياسية في الخرطوم، في ظل ولاء حميدتي لأبوظبي.
وفي السياق، قالت مصادر غربية وأخرى مصرية، لـ”العربي الجديد”، إن القاهرة انخرطت أخيراً في اتصالات مع مسؤولين في الإدارة الأميركية متعلقة بالأزمة السودانية، وقدّمت القاهرة رؤية للجانب الأميركي متعلقة بخطورة تصعيد حميدتي وتصدّره المشهد وتأثير ذلك على الوضع في المنطقة برمتها، وليس على السودان فقط.
وأشارت المصادر إلى أن القاهرة حذرت، خلال اتصالات مع مسؤولين أميركيين، من خطورة التحركات الإماراتية عبر حميدتي في السودان، مؤكدة أنها تهدد أمن منطقة البحر الأحمر، خصوصاً في ظل توسيع أبوظبي علاقاتها مع روسيا ضمن إدارة علاقتها مع واشنطن.
وكشفت المصادر عن مقترح مصري لدى الإدارة الأميركية بشأن عرقلة حميدتي، يقضي باتخاذ خطوة تضع حداً لطموحه الرامي إلى تصدر المشهد السياسي. وبحسب المصادر، جرى إبلاغ مسؤولين في مصر بشأن دراسة فرض عقوبات على نائب رئيس مجلس السيادة، متعلقة بدور القوات التابعة له في انتهاكات وجرائم حرب في دارفور.
ورجحت المصادر أن يتم فرض عقوبات اقتصادية من قِبل واشنطن على حميدتي خلال الأيام المقبلة، خصوصاً في ظل استعداد أميركي لتلك الخطوة، نظراً لعلاقاته مع موسكو ودوره الدافع نحو إقامة قاعدة بحرية روسية في السودان.
وفي السياق، قال مصدر دبلوماسي مصري، لـ”العربي الجديد”، إن التصور المصري بالنسبة لحميدتي يقوم بالأساس على أنه يمكن أن يلعب دور الحاكم الفعلي للبلاد من دون أن يكون في موقع الرئاسة السودانية. وأضاف: لذلك، فإن تحالفاته وتحركاته الداخلية تظل محل رصد وسعي لعرقلتها من الجانب المصري، بالإضافة إلى استغلال كل فرصة ممكنة لإفشاله إقليمياً ودولياً. وهذه الرؤية المصرية تقوم أيضاً على وضعه دائماً تحت الضغط، لضمان رضوخه لشروط القاهرة في حال تغيير الموقف منه لأي سبب، وهو أمر يبدو مستبعداً.
وساطة مصرية بين البرهان وبيرتس
وبالعودة للتحركات المصرية على صعيد المكونات السياسية السودانية، كشفت المصادر عن أن الأيام القليلة الماضية شهدت لقاء وفد من الحزب الاتحادي السوداني مع المسؤولين في جهاز المخابرات العامة، بحث مساعي تشكيل جبهة داخلية سياسية تكون داعمة لطرح سياسي جديد من المقرر أن يطرحه البرهان خلال الفترة المقبلة. علماً أن “الاتحادي السوداني” سعى، خلال لقاءات له في القاهرة في الأيام الأخيرة مع قوى انشقت عنه في الفترة الماضية، لإعادة ترتيب صفوفه وضم هذه القوى إليه.
وأوضحت المصادر أن الفترة الحالية تشهد وجود ممثلي عدد من الأحزاب السودانية في القاهرة، من بينها حزب الأمة، وبعض النشطاء المحسوبين على مجموعات ثورية سودانية.
وكشفت المصادر في الوقت ذاته عن وساطة مصرية أخيراً بين البرهان ورئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال بالسودان “يونيتامس” فولكر بيرتس. وأشارت إلى أن وزير الخارجية سامح شكري، ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، سعيا خلال لقاء بيرتس في القاهرة، الأسبوع الماضي، لتوضيح خصوصية الحالة السودانية، وضرورة مراعاة حالة التفكك التي تضرب المكونات السودانية، مع الحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية هناك لضمان حد أدنى من تماسك واستقرار الدولة السودانية.
وبحسب المصادر، فإن شكري وكامل طلبا من بيرتس مراعاة تلك الضرورة المتعلقة بالمؤسسة العسكرية السودانية في تقريره النهائي بشأن الحالة السودانية.
وكان البرهان قد هدد بطرد بيرتس، متهماً إياه بـ”التدخل” في شؤون البلاد و”تجاوز صلاحيات تفويضه”. وجاءت تهديدات البرهان في أعقاب الخطاب الذي ألقاه بيرتس أمام مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، وقال فيه إن السودان يتجه نحو “انهيار اقتصادي وأمني ومعاناة إنسانية كبيرة”، ما لم تُستأنف الفترة الانتقالية بقيادة المدنيين الذي أطاحهم البرهان في انقلاب عسكري العام الماضي. كما حذر من ارتفاع منسوب الجريمة والفوضى، وقتل المتظاهرين المناهضين للانقلاب، والعنف ضد المرأة من جانب أفراد قوات الأمن، وتصعيد استهداف النشطاء.
مقابل ذلك، كشفت المصادر أن المسؤولين في مصر يسعون في الوقت الراهن للتوصل إلى صيغة توافقية تراعي مصالح البلدين، بشأن الضغوط المفروضة على الخرطوم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإبطاء سير المشاورات الخاصة بذلك، عبر الحديث مع البرهان، ومحاولة حل جزء من الأزمات الداخلية، التي تمثل عبئاً عليه ويوظفها حميدتي في الهرولة نحو التطبيع وإقامة علاقات مع إسرائيل من أجل كسب دعم في هذا الإطار.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد كشفت أخيراً عن زيارة قام بها وفد أمني إسرائيلي إلى الخرطوم بشكل سري، الأسبوع الماضي، واجتمع مع القيادة العسكرية بقيادة البرهان.
المصدر: العربي الجديد