يقول المحللون السیاسیون إنَّه عندما أعاد القائد العام للقوات المسلحة السوداني، عبدالفتاح البرهان رئيس الوزراء المعزول في احتفال متلفز في القصر يوم الأحد ، لم يعكس الانقلاب الذي وقع الشهر الماضي بقدر ما بيَّضه.
يحذرون من أن إطلاق سراح رئيس الوزراء الضعيف المظهر عبد الله حمدوك من الإقامة الجبرية ربما خفف الضغط من المجتمع الدولي ، لكن الحادثة أثبتت في النهاية قبضة الجيش على السلطة.
وقال مجدي الجزولي الخبير في شؤون السودان في معهد ريفت فالي لوكالة فرانس برس ان “الحكومة المقبلة ستتعرض لخطر الانقلاب كل يوم. وهي فعليا تحت رحمة الجيش”.
إنما حدث ما هو إلّا استسلام رئیس الوزراء وحلفائه استسلاماً کاملاً للجیش.
شهد السودان الذي یحفل بتاريخ طويل من الانقلابات العسكرية ، رحلة هشة نحو الحكم المدني منذ الإطاحة بالرئیس المستبد عمر البشير عام 2019 في أعقاب احتجاجات شعبية حاشدة.
حكمت حكومة انتقالية عسكرية مدنية مشتركة منذ ذلك الحين ، ولكن التحالف المضطرب الطويل تم تحطيمه في 25 أكتوبر عندما أطلق الجنرال عبد الفتاح البرهان رصاصة الرحمة عليه.
أثار برهان بخطوته تلك الإدانات الدولية وموجة من الاحتجاجات الحاشدة التي شابتها عمليات القمع المميتة عندما احتجز البرهان القادة المدنيين ووضع حمدوك تحت الإقامة الجبرية.
وفي يوم الأحد قام رسمياً بعكس مسار انتزاع السلطة ، واقفاً إلى جانب حمدوك بالقصر الرئاسي في الخرطوم.
وقد أبرما معا صفقة من 14 نقطة تعيد رسميا الانتقال إلى الحكم المدني ، مع تعهد بإجراء انتخابات في 2023.
وقد أثارت هذه الصفقة ارتياح المجتمع الدولي ورحبت بها الأمم المتحدة.
ورحب الاتحاد الأفريقي بـ “خطوة هامة نحو العودة إلى النظام الدستوري”.
واستقبلت هذه الصفقة أيضا المملكة العربية السعودية ومصر اللتان تربطهما علاقات قوية مع المؤسسة العسكرية السودانية.
غرد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنكن بأن الاتفاق “مشجع” بينما دعا أيضاً “قوات الأمن إلى الامتناع عن استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين المسالمين”.
وقالت وزيرة بريطانيا لشؤون أفريقيا ، فيكي فورد ، إنها “سعيدة” بعودة حمدوك ، ولكنها حذرت من أن “العسكريين يجب أن يفوا بالتزامهم بشراكة حقيقية مع المدنيين”.
لكن المتظاهرين في شوارع السودان لم يقبلوا ذلك ، حيث هتف كثيرون “لا للسلطة العسكرية” وطالبوا القوات المسلحة بالانسحاب الكامل من الحكومة.
رأى البعض أن هذه الصفقة خيانة من قبل حمدوك ، الخبير الاقتصادي السابق في الأمم المتحدة الذي كان ينظر إليه على أنه الحارس المدني لثورة السلطة الشعبية.
وفي أحد التجمعات في شمال الخرطوم ، مزق المتظاهرون صورة رئيس الوزراء وصرخوا: “حمدوك ضعيف ولكن المتظاهرین أقویاء ”
رفضت قوى الحرية والتغيير بشدة الاتفاق السیاسي ، وهي الكتلة المدنية الرئيسية التي قادت الاحتجاجات المناهضة للبشير ، ولكن تمّ استبعادها تماماً من مجلس السيادة الانتقالي برئاسة برهان.
ووصفت جمعية المهنيين السودانيين ، وهي مجموعة جامعة من النقابات التي كان لها دور أساسي في إسقاط البشير ، الصفقة بأنها “انتحار سياسي” لحمدوك.
حذر جون برندرغاست ، من مجموعة ذا سنتري الاستقصائية غير الربحية ، من حدث يوم الأحد من أنه “لا ينبغي أن يهدأ المجتمع الدولي بهذا الإجراء الفردي.
“ما لم يبدأ تفكيك صرح الكليبتوقراطية الاستبدادية ، فإن السودان سوف يستمر في مواجهة موجات من الصراع والديكتاتورية والفساد.”
وقال الجزولي إنَّ دور برهان الواضح “يعكس ببساطة ما أراده الجيش منذ اليوم الأول. لم يعارضوا مجلس الوزراء الذي يرأسه (حمدوك) ، لكنهم عارضوا مجلس الوزراء الذي لم ينصاع إلى أوامرهم.
هذه الخطوة ببساطة تطبیع للإنقلاب، وسيكون هذا هو الوضع الفعلي للأمور”.
وأضاف الجزولي أنَّ مستقبل حمدوك مرهون للجیش الذي سیملي علیه املاءاته.
قالت خلود خير ، من مؤسسة “إنسايت ستراتيجي بارتنرز” وهي مؤسسة بحثية في الخرطوم ، إن الاتفاقية تمثل “التبييض الفعال للانقلاب”.
وقالت ، وهي تكتب على تويتر ، إن “الشهر الماضي أظهر أن الضغط الدولي والمحلي الذي يعمل بالتضافر يمكن أن يدفع نحو التغيير”.
لكن خير أضافت أنَّ الخطوة في النهاية تسمح فقط للجيش بـ “إعادة تجميع صفوفهم” ، “مع عدم وجود ضمان على الإطلاق بعدم وقوع انقلاب آخر ، وفي القريب العاجل”.
وتوقعت خير أنَّ حمدوك “سيفقد مصداقيته بسرعة ويزداد عزلة” ، بعد أن تمَّ إقصاء قاعدة دعمه الرئيسي لقوى الحرية والتغيير من العملية السياسية.
وقالت إن السودان يتجه نحو المزيد من “عدم الاستقرار” لأن “الطلب الأساسي للشارع لم يكن إطلاق سراح حمدوك ، بل إبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة”.
المصدر: آي بي تایمز