يسير الرئيس التونسي، قيس سعيد، وداعموه على خطى نظام السيسي، على ما يبدو، لكن هذه المرة بتونس دخلت دار الإفتاء على الخط، حين نشرت بيانا حذفته لاحقا، تدعو فيه التونسيين للتبرع للدولة، فهل تدشن تونس صندوق “تحيا تونس”، على غرار صندوق ” تحيا مصر” الذي دشنه السيسي؟ وما الذي تعنيه دعوات الدولة لمواطنيها بالتبرع؟ وكيف استقبل التونسيون هذه الدعوات؟
دار الإفتاء تدعو التونسيين للتبرع
في 20 كانون الثاني/ يناير الجاري، نشر ديوان الإفتاء التونسي عبر حسابه الرسمي على “فيسبوك” بيانا، جاء فيه أن “مساعدة البلاد للخروج من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها هو واجب أخلاقي وديني، والانخراط في إنقاذ الوطن هو واجب من أهم الواجبات، وفي التناصح والتكافل والتضامن تكمن مواطن القوة والعزة والكرامة”.
ودعا مفتى تونس “عثمان بطيخ” رجال الأعمال، ومن وصفهم بأهل الخير، للتبرع للدولة؛ لمساعدتها على الخروج من أزمتها المالية والاقتصادية.
ليست الأولى
دعوة المفتي لم تكن هي الدعوة الأولى التي وجهت للشعب التونسي للتبرع للدولة، بل سبقها دعوات أخرى، ففي 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وبعد أدائه اليمين الدستورية، خلال جلسة عامة بالبرلمان التونسي، تحدث قيس سعيد عن دعوات للتبرع بيوم عمل للدولة كل شهر؛ “حتى تفيض خزينة الدولة، وتتخلص من القروض والاستدانة”، على حد قوله، مؤكدا وقتها أن الشعب يحتاج لإعادة بناء الثقة بالحاكم.
وفي 17 آذار/ مارس 2020، دعا قيس سعيّد في خطابه وقتها المواطنين، ممن باستطاعتهم تقديم المساعدة لمواجهة فيروس كورونا، إلى التبرع بنصف رواتبهم أو أكثر، قائلا إنّه يوجد في تونس الكثيرون ممن هم في حاجة للوقوف بجانبهم لحفظ كرامتهم، مؤكدا أنّه سيكون أوّل المتبرعين.
وفي 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، جدد قيس سعيد دعواته للتونسيين بالداخل والخارج، ودون استثناء، للمساهمة في إيجاد التوازنات المالية المطلوبة، مؤكدا أن الأموال التي سيساهم بها التونسيون في تخفيف الأزمة المالية “ستكون تحت رقابة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة”، قائلا إن الأموال ستذهب إلى ما رصدت له.
وفي 20كانون الثاني/ يناير 2022، هذه المرة أتت الدعوات للتونسيين من دار الإفتاء التونسية للتبرع للدولة، الأمر أشبه بما حدث في مصر، حين واصل السيسي منذ توليه السلطة دعوة رجال الأعمال والمصريين للتبرع، فهل هي مسؤولية الشعب حقا التبرع للدولة، خاصة أن النظام موصوف من سوء إدارة الأوضاع الاقتصادية؟
مصر سبقت تونس
في شباط/ فبراير 2014، بمجرد توليه رئاسة مصر، دعا السيسي رجال الأعمال المصريين للتبرع بأجزاء من ممتلكاتهم ودخولهم؛ لدعم الاقتصاد المصري المتهاوي في الفترة الأخيرة، على حد زعمه وقتها، وكما قال الرئيس التونسي قيس سعيد إنه سيكون “أول المتبرعين”، سبقه السيسي، الذي قال في 2014 بخطابه أثناء حفل إقامته الكلية الحربية، إنه “سيتنازل عن نصف أمواله التي ورثها عن والده، لمساعدة الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة، إضافة للتنازل عن نصف راتبه”.
وبعد شهر من اجتماعه مع رجال الأعمال، وتدشينه ما يُسمى “صندوق تحيا مصر”، في آب/ أغسطس 2014، جدد السيسي دعوته لرجال الأعمال والقادرين للتبرع لصالحه، محذرا إياهم وقتها قائلاً: “هتدفعوا يعنى هتدفعوا، لأن البلد أعطتكم الكثير”، مشيرًا إلى أن صندوق دعم الاقتصاد “تحيا مصر” بحاجة إلى 100 مليار جنيه!!
صبح على مصر بجنيه
في شباط/ فبراير2016، جدد السيسي دعوته، لكن هذه المرة ليس لرجال الأعمال فقط، بل لعموم الشعب المصري قائلا: “لو أن 10 ملايين مصري ممن يمتلكون موبايلات صبح على مصر بجنيه واحد، يعني في الشهر 300 مليون جنيه، وفي السنة 4 مليارات جنيه.. احنا بنتكلم كتير”.
ولتشجيع المصريين، على ما يبدو، قال السيسي وقتها إن صندوقه الذي دشنه لتبرع رجال الأعمال “صندوق تحيا مصر” جمع 4.7 مليار جنيه، منها مليار جنيه من الجيش، على حد زعمه وقتها.
كيف استقبل التونسيون دعوات التبرع؟
سابقا في 2021، عندما دعا سعيد التونسيين للتبرع، سخر التونسيون من دعوات سعيد، واعتبروها أيضا مشابهه لمصر، وقال بعضهم في تغريدات عبر تويتر: “صبح على تونس بدينار، على طريقة عبد الفتاح السيسي، قيس سعيد يطلب من التونسيين المساهمة في التعبئة المالية للدولة”.
وأضاف آخرون: “قيس سعيد يدعو التونسيين في تونس وخارجها للمساهمة في إيجاد التوازنات المالية المطلوبة للخروج من الأزمة، هات دينار ساااااحبي!”
وبعد دعوات مفتى تونس منذ أيام، طالب تونسيون المفتي بالاستقالة، وعدم الزج بنفسه في الصراعات السياسية، معتبرين أن هذه الدعوات إهانة لتونس ولسلطة البلاد، التي يجب أن تدير الاقتصاد التونسي بشكل أفضل”.
وعبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، أكد التونسيون أن كلام ديوان الإفتاء نكأ جراحهم، وهم يعانون معاناة شديدة في تدبير شؤون حياتهم، ورأى معظمهم في معرض التعليق على ما جاء في البيان، أنه كان الأجدر بمفتي تونس أن يدعو الدولة إلى خفض نفقاتها، وأن يطالبها بتقليص امتيازات المسؤولين، وكبار الموظفين، التي تقتطع جانبا كبيرا من ميزانية الدولة، في حين تهكم كثيرون على البيان، قائلين إن كل الحلول الاقتصادية والمالية انتهت على ما يبدو، وإن “الأمر سُلّم إلى دار الإفتاء”.
الاقتصاد التونسي يعاني بشدة
وتواجه تونس أزمة مالية واقتصادية، تفاقمت عقب الإجراءات التي أعلنها قيس سعيد في 25 تموز/ يوليو الماضي، وشملت تجميد البرلمان، وحل الحكومة، التي أردفها بقرارات لاحقة استحوذ بموجبها على السلطات التنفيذية والتشريعية، وهو ما اعتبره معارضوه انقلابا على الدستور والثورة.
ومؤخرا، أقرت الحكومة التونسية ميزانية عام 2022 بنسبة عجز 6.7%، مع توقعات بالحاجة لاقتراض نحو 4.4 مليارات دولار، كما حصلت تونس على قرض ترويجي قيمته 100 مليون يورو من ألمانيا من المقرر صرفه خلال الأيام القليلة المقبلة؛ بهدف تنفيذ إصلاحات بالقطاع المصرفي والمالي.
التبرع للدولة : على الأنظمة العربية أن تخجل
ووفق هيئة الإذاعة البريطانية “BBC”، فإن فكرة تبرع المواطنين للدولة تثير جدلا حول المشروعية في عدة دول عربية بشكل عام، خاصة في ظل حكومات تواجه تهما بأنها تهدر الأموال العامة، ولا تملك أجهزة محاسبة ذات شفافية، في وقت يطالب فيه المواطنين دوما بالتبرع لمشروعاتها القومية، دون وجود آلية للمحاسبة فيما يتعلق بأموال التبرعات وأين ذهبت.
المصدر: عربي21