تصاعد جرائم الحرب والإبادة في غزة: شهادات جديدة وحقائق مروعة
في الأسابيع الأخيرة، برزت سلسلة جديدة من الجرائم التي قد توفر أدلة دامغة على ارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب أمام المحاكم الدولية. فقد تبيّن أن الجنود الإسرائيليين يقتلون بدافع التسلية وقتل الوقت، بعد أن أُزيلت القيود على استهداف المدنيين سواء كانوا في حالة خطر أم لا. نقل موقع “972+” شهادات ستة جنود تحدثوا عن قتل متعمد دون حاجة للحماية من أي خطر. يتضمن القتل أي مدني يدخل منطقة محظورة، حيث تترك جثث القتلى في مكانها لتنهشها الكلاب. يقول أحد الجنود: “أشعر بالملل فأطلق النار”، بينما يضيف آخر: “كل رجل بين 16 و50 عامًا هو إرهابي محتمل”. الحركة ممنوعة، والاقتراب من الجنود أو حتى النظر إليهم من نافذة ما يعد سببًا للقتل. يؤكد جندي آخر: “لا توجد أي قيود على إطلاق النار، سواء من الأسلحة الصغيرة أو الرشاشات أو الدبابات أو مدافع الهاون. إنه الجنون”. يبدو أن هؤلاء الجنود لا يشعرون بأي ندم على أفعالهم، بل يروونها وكأن مشاركتهم في التحقيق الصحافي هو مجرد ترفيه عن النفس.
تحقيق لصحيفة “الغارديان” البريطانية يكشف أن آلة الحرب الإسرائيلية تتعمد استخدام أسلحة تنتج شظايا تسبب إصابات مروعة للمدنيين والأطفال خصوصًا، ما يفسر العدد الكبير من حالات بتر الأعضاء بين الأطفال، وفقًا لجراحين أجانب تطوعوا للعمل في القطاع في الأشهر الأخيرة. تحقيق آخر لصحيفة “لوموند” الفرنسية يظهر أن التعذيب والإهانات التي يتعرض لها المعتقلون في السجون الإسرائيلية لا تقل عن تلك التي تمارسها الأنظمة العربية على المعتقلين السياسيين في سجونها، حيث توفي 18 معتقلًا نتيجة التعذيب. كذلك، رسالة نشرتها المجلة العلمية “لانسيت” توضح أن عدد ضحايا حرب الإبادة، الذي تسعى البروباغاندا الإسرائيلية لتقليله، أكبر بكثير من عدد القتلى المباشرين، إذ يجب احتساب الضحايا غير المباشرين نتيجة المجاعة والأمراض المعدية وغير المعدية. تشرح الرسالة التي أثارت جدلاً واسعًا أن العمليات العسكرية تتسبب بضحايا غير مباشرين، مثل المجاعة وقطع مياه الشرب وتدمير المشافي وانتشار الأمراض، ما يجعل العدد الإجمالي للضحايا لا يقل عن 185 ألف ضحية.
تقدير الضحايا غير المباشرين يجعل إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية، التي تواجه التشكيك، أقل بكثير من الأرقام الفعلية، خاصة وأن 35% من المباني في غزة قد دمرت، وقد يزيد عدد الجثث المدفونة تحت الأنقاض عن عشرة آلاف جثة. نفت المجلة العلمية أي تضخيم لأرقام القتلى في غزة، مؤكدة أن تقدير عدد القتلى اعتمد على آليات معترف بها في تقدير الضحايا غير المباشرين في نزاعات سابقة، وأن وزارة الصحة في غزة قدمت تاريخيًا تقديرات موثوقة لعدد القتلى في الحروب السابقة. إعلان وزارة الصحة الإسرائيلية مؤخرًا العثور على أدلة تؤكد وجود فيروس شلل الأطفال في عينات مياه الصرف الصحي في قطاع غزة، يعزز واقعية إحصاء ضحايا الانعكاسات غير المباشرة للحرب.
لا نحتاج إلى مزيد من الأدلة على جرائم حرب وإبادة في غزة. معرفتنا بهذه الجرائم ووضوحها لا يغير شيئًا. لا التغطية الإعلامية، التي لا تزال إلى حد كبير “مُعقّمة” خالية من الدماء، ولا السياسة العالمية، التي لا تزال عاجزة أو غير راغبة في الاعتراف بالمجزرة. الأدلة موجودة وأكثر من كافية، بعضها قدمه مرتكبو الجرائم أنفسهم دون أي إحساس بالذنب أو الخوف من المحاسبة. يشكل هذا التضارب بين المعرفة وإنكارها نوعًا جديدًا من العنف يتم إنزاله بالضحايا والمتضامنين معهم وهو فعل إلغاء، ليس فقط إلغاء الحدث نفسه عبر تحجيمه، بل أيضا إلغاء القيمة الإنسانية لضحاياه.
تواصل وسائل التواصل الاجتماعي نقل شهادات عن معيشة لا تحتمل لأولئك الذين لا يزالون على قيد الحياة. تكتب بيان، وهي مدونة وصحافية فلسطينية من داخل غزة، “أصبحت النجاة من كل هذا الموت مُتعِبة”. هي على حق، إذ يصعب تخيل الجهد اليومي للاستمرار. ما هو أكثر مشقة من هذه “المُتعِبة” هو النجاة من موت لا أحد يريد أن يراه أو حتى يتوقف عند وقوعه.