اهالي توتي يستغيثون ، فمن يسمعهم
ظل اهالى توتي يعانون الامرين منذ أن سيطر الدعم السريع على جزيرتهم ، ويشتكي مواطن توتي من قسوة الدعم السريع وسوء تعامله ، ونفرد هذه المساحة اليوم لتقرير مؤثر ومؤلم يستعرض بعضا مما يعانيه اهل توتي مع الدعم السريع.
وتحت عنوان :
جزيرة توتي تحتضر فهل من مغيث؟
نقرا : جاهداً يحاول (كامل) اختلاس النظر من خلف باب منزله آملاً في خلو الطريق من أفراد الدعم السريع بسياطهم عله يفلح في الخروج بحثاً عن شربة ماء وعيدان أشجار يوقدها لإعداد شئ من ما تبقى من دقيق لإطعام أطفاله الجوعى. فيما يركض (عبد الدائم) متسللاً بحذر عبر الطرقات محاولاً الوصول إلى صيدلية المنطقة الوحيدة والمنهوبة، طامحاً في الحصول على قنينة محلول وريدي وحبات (بندول) علها تجدي في تسكين ما ألم بزوجته وإبنه من حمى أعيت أجسادهم الهزيلة وتكاد تلحق بهم بالعشرات من سكان الجزيرة الذين قضوا جراءها خلال أيام، ويصعب إستيعاب ما يحدث بتوتي.
إذا لم تنقذونا سيموت أهل توتي بالكامل خلال أيام .. الاوضاع أسوأ من كل ما يخطر على بال “. عبارة واستغاثة وردت من أحد السكان وتضمن معناها العديد من رسائل الاستغاثات التي خرجت وتعالت مؤخراً من داخل الجزيرة التي تتعرض لحملة إنتقامية من أفراد الدعم السريع، عبر البيانات والرسائل الصوتية لمن استطاع سبيلا.
في رسالة صوتية تكاد تلمس الإنهاك والجوع والعطش في صوت وكلمات محدثها ” جنود من الدعم السريع فارون وأضعافهم قادمون إلى داخل الجزيرة . قدموا يحملون القسوة والإرعاب والتجويع حتى الموت.. وجوه جديدة من الدعم السريع دخلت الجزيرة . إنتشرت في الطرقات يحملون السلاح والسياط والعصي، يضربون كل من سولت له نفسه الخروج في الطرقات .. دخلوا البيوت ونهبوها ، يطالبون بالمال والذهب ويتبعون مطلبهم ضربا دون رحمة دون تمييز بين رجل وإمراة إنتهاء بعبارة (خلو الجيش ينفعكم) .. تلك أصبحت عادة كل يوم
الخوف والرعب أصبح الصفة المسيطرة على سكان الجزيرة خوفا من ردات إنتقامية. بعض من حدثونا غلب عليهم الحذر خوفاً من كشفهم . قالت محدثتنا التي تمكنت من الخروج قبل أشهر الى خارج الخرطوم تاركة خلفها الأهل والجيران ” منذ عبور الجيش نحو الخرطوم دخلت اعداد كبيرة من جنود الدعم السريع، نهبوا المحال التجارية ومنعوا دخول السلع التي كان يسيطرون على دخولها، اوقفوا (التكايا) التي أصبح السكان يعتمدون عليها في إطعامهم .. نفذ الوقود ، اصبح الوصول للماء والحصول على الحطب مستحيلاً بعد منع الناس من الخروج الي الشوارع وإلا تعرضوا للضرب والقتل … إعتدوا على رجل وإمرأة داخل منزلهم ضربا بالجنازير وتركوهم بين الحياة والموت .. اصبحوا أكثر شراسة .. نهبوا الصيدلية الوحيدة وافرغوا المحاليل الوريدية على الأرض .. الغالبية مصابة بحمى مجهولة أودت بحياة الكثيرين ، إثنين وثلاثة أشخاص من أسرة واحدة يموتون، إخوة، أب وأم، بعد أن عز عليهم الحصول على حبة (بندول) واحدة ويفارقون الحياة خلال أيام قليلة ..” .
تتواصل أصوات استغاثات مبحوحة أرهقها الجوع والعطش والمرض محاولة تخطي الخوف وربما تكون تلك آخر كلماتهم ما لم يدركهم العالم ” تسللت نحو الصيدلية في رحلة ممزوجة بين البطولة والتهور، حملت في طريقي رجاءات الجيران ووصايا من علم عن ذلك الخروج ، باستجلاب المحاليل الوريدية و(البندول) والتي اصبحت حاجة ماسة لكل بيت، حال افلحت ونجوت في رحلتي لمنزل مسؤولة الصيدلية ، لكني لم أجد شئ ، نهبت الصيدلية ولم يستبق التخريب منها شيئاً .. يموت كل يوم نحو ثلاثة أشخاص من حولنا، نجازف للخروج لدفن المتوفين القليل من أشخاص المقربين .. نمر بمشاهد مواطنين ملقيين أرضاً يصطلون بسياط جنود الدعم ..” .
لا ماء ولا طعام ولا كهرباء ولا كرامة ولا حرية في أدنى صورها ، بقعة من أرض انتفت فيها مظاهر الإنسانية قالتها محدثتنا من سكان الجزيرة الصغيرة المنكوبة . حتى فرص الخروج مقابل المال الذي كان يدفع (للعمد) التابعين للدعم السريع أصبحت معدومة، فلا خروج من المنازل ناهيك من عبور الجسر خارج الجزيرة. لتصبح الجزيرة سجن كبير تنتفي فيه مقومات الحياة والكرامة، ينتظر سجناؤه الإعدام الذي ينفذ تباعا جوعا وعطشا ومرضاً حتى الموت. لا ابار تتوسط الأحياء بعد أن منع السكان من الوصول الى النيل للحصول على الماء ، تلاشى المركز الصحي والصيدلية الوحيدة بامكاناتهم المتواضعة والمتاجر التي يتحكم الدعم السريع في دخول المواد والسلع إليها وفق ما يرى منذ سيطرته على الجزيرة لأكثر من عام، ، أما الكهرباء فتلك ذكرى من ماض بعيد. لا شئ في الجزيرة الخضراء سوى رائحة الموت وإمتهان الإنسانية في أسوأ صورها والمنع من كل أسباب الحياة في إنتظار إستجابة العالم لأصوات إستغاثات بُحّت .
سليمان منصور