اعتبر الدكتور المحبوب عبد السلام أن التصريحات التي تصدر من مناطق الحرب ومناطق العمليات تحتوي على شيء من المبالغة بالنظر إلى أنها تصوب نحو الرأي العام والمؤيدين لترفع من معنوياتهم، لكن المهم أيضا في هذه الخطابات خاصة عندما تأتي من المستوى الأرفع، من قائد الجيش وقائد الدعم السريع، أن ينظر في السياق الذي جاءت فيه الخطابات وأن ينظر كذلك ما بين السطور. وأشار الدكتور المحبوب عبد السلام في حديث لبرنامج ملفات سودانية يبث يوم غدا الثلاثاء أنه من ناحية، الخطابان يشكلان خطورة كبيرة لأن الحرب قد خرجت من الخرطوم إلى مدني، ثم هنالك إشارات واضحة من قائد الدعم السريع أنه يريد أن يستأنف الحرب لتصل كذلك مناطق في الوسط وفي الشمال.هذا لا يهدد فقط باتساع المأساة الإنسانية، ولكن يهدد أيضا بسيناريو التفكيك الذي يخشاه الناس. إذا خرجت هذه الحرب من منطقة مثل الخرطوم وهي مملوكة للجميع باعتبارها عاصمة البلاد إلى قرى ومدن صغيرة ليس فيها أي مظهر من مظاهر السلطة ولا حتى مكتب للبوستة أو مركز للشرطة، عندئذ يكون المواطن قد انخرط فعليا في الحرب وهذا يهدد فعلا دولة السودان وليس فقط اتساع المأساة الإنسانية.
ومن الجانب الآخر، نوه الدكتور المحبوب عبد السلام إلى أن جزء كبير من خطاب قائد الجيش كان موجها للقوى السياسية في حين أن ساحة القوى السياسية والمدنية تبدو أفضل الآن، تبدو متقاربة وتمضي نحو حوار يمكن أن يفضي إلى نتائج إيجابية. لكن أن يدخل المكون العسكري نفسه ويكون جزء من التناقضات المتبادلة داخل الساحة المدنية فهذا أمر خطير. خصوصا وأني قد قرأت تعليقات كثيرة غربية وعالمية تتحدث عن الفقرة التي وردت في خطاب قائد الجيش والتي أشار فيها إلى منع وصول المساعدات الإنسانية لمناطق الدعم السريع.هذا الأمر فيه مخالفة كبيرة للقانون الدولي. لكن كما قلت يجب أن ننظر للسياقات التي جاءت فيها هذه الخطابات وإن كان هناك من عمل للرأي العام أو للجبهة المدنية السياسية أو الإعلاميين فهو القيام بما يمكن لمنع تحول هذه الخطابات إلى واقع لأنه تتجاوز المأساة الإنسانية إلى تفكيك دولة السودان ووضعها على المحك. هذه الخطابات تأتي في لحظة بالغة الحرج وخطيرة جدا لا تحتمل مثل هذه المزايدات. أتمنى أن يمضي الناس فعلا لوقف الحرب بحيث لا تصبح حربا بين المواطنين.
ضرورة توحيد المنابر
وحول تعدد المنابر التي تعمل لحل الأزمة في السودان، قال دكتور المحبوب عبد السلام أن هنالك إشكال فيما يتعلق بتعدد المبادرات وتعدد المنابر ودخول أجندة خاصة بالقوة الإقليمية والدولية في الاستحواذ على المسألة السودانية والاستفادة منها. لذلك صدرت دعوات حتى من الجانب غير الرسمي لتتوحد هذه المنابر في منبر واحد. منبر جدة يبدو هو الأنسب في هذه اللحظة لأنه يخاطب المسائل المتعلقة بوقف الحرب مباشرة، ثم وقف العدائيات، ثم الوقف الدائم لإطلاق النار الذي يمهد فعلا لإطلاق العملية السياسية التي ستنهي الحرب وتضع نهاية للأسباب التي تؤدي إلى الحرب.
وشدد دكتور المحبوب عبد السلام على أن العامل الخارجي أساسي جدا في هذه الحرب، وهناك دول في الإقليم مثل مصر وتشاد ودول خارج الإقليم لكنها في إطار الجامعة العربية مثل الإمارات، ولابد أن تكون كلها جزءاً من التفاوض الذي سيوقف القتال ويضع ترتيبات أمنية ثم يمضي للعملية السياسية. ويرى المحبوب أن البداية تستوجب التركيز على منبر جدة، ولكن لابد أن يكون حول منبر جدة وداخله هذه القوى الإقليمية والدولية المهمة في الوصول لوقف الحرب ثم العملية السياسية التي تفضي إلى معالجة الأسباب التي تفضي إلى الحروب في السودان.
تشاؤم بشأن لقاء جنيف
ومضى الدكتور المحبوب عبد السلام إلى القول إن التصريحات من الجانب الحكومي متضاربة وبكل أسف حيث يصدر تصريح من قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة ليصدر بعده تصريح مناقض من وزارة الخارجية. ويعكس ذلك أنه بالرغم من حرج وخطورة المرحلة، إلا أنه لا يتوفر حتى الآن انسجام في الرؤيا أو انسجام في اتخاذ القرار. صحيح أن نذر المجاعة أصبحت ممتدة وواسعة فعلا وأن الإغاثات تصل فقط للمواطنين في المناطق الآمنة التي تسيطر عليها القوات المسلحة وأن المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع لا تصل إليها الإغاثة. هذا الأمر يتعلق كذلك بالحقوق الأساسية للإنسان في أن يجد الطعام الذي يمنحه الحياة، فلا بد كذلك أن نضع مثل هذه المبادئ والأصول قبل أن نصدر مثل هذه التصريحات الخطيرة. واضاف أن من يريد أن يمنع منبر جنيف هو كذلك يساهم في ألا تنعقد المنابر الأخرى لأن أي خطوة نحو السلام تعيق الأجندة والمشروعات الخاصة. أتمنى أن ينعقد لقاء جنيف، ولا أريد أن أقول إنني متشائم فيما يتعلق بهذا المنبر.
المصدر: دبنقا