مصطفى سيد أحمد، ولو لم يكن فناناً حقيقياً لما عاش خالداً عند الناس حتى هذه اللحظة، سيرته وحكاياته تتجدَّد في كل يوم، ولعل الموقف الفكري لمصطفى سيد أحمد، هو العنوان الأبرز له كفنان اختط لنفسه مساراً جديداً وغير معهود، وفن الغناء عند مصطفى سيد أحمد، ليس مجرَّد لهو وتزجية وقت وإنما هو قضية إنسانية متكاملة الأركان، فلذلك من البديهي أن يقول الناس عن مصطفى سيد أحمد إنه (مفكِّر) قبل أن يكون (فناناً)، وتلك هي الوصفة السحرية التي اكتشفها مصطفى سيد أحمد وعبَّر عنها ذات يوم قائلاً):
الفنان الحقيقي
الفنان الحقيقي على مر التاريخ كان وسيظل له موقف صارم من العالم الذي يعيش فيه وسيظل ناقداً، مبيِّناً لقيم الخير والحق والجمال، كاشفاً لكل أقنعة القبح ومظاهره، محرِّضاً على الثورة والتغيير، راسماً معالم الحلم والظلم والظلام، وأنا مثلي مثل أي فنان حقيقي آخر كان لي موقف صارم قبولاً ورفضاً ونقداً وتعرية، ولذلك فإنني أغني لجملة الناس بما يعبِّر عن هذا الموقف، وأتعطل أولاً، وأتنفس بما أغني نصاً وموسيقى ثم أعيد تقديمه مرة أخرى لمنبت غناي، جملة الناس الذين ما انفصل غناي عنهم وعن همومهم، وقضاياهم في يوم من الأيام.
التعسيلة والغمدة
وقال مصطفى مضيفاً: (أؤمن إيماناً لا يشوبه أي نوع من التزعزع بضرورية الالتزام بأرضي وأمتي ومن هنا يجئ اختياري للنصوص الشعرية التي تمجِّد هذه الأرض وهذه الأمة بأية صورة من الصور، ومن هنا يجئ الالتفاف الكثيف من أبناء أمتي حول إسهاماتي، حقيقة أنني لا أجد في نفسي مساحة لذلك النوع من الغناء الذي يعطي الناس (التعسيلة) و(الغمدة) لا أجد غناء يعطي الآخرين وسائد الخدر اللذيذ والطرب فواقعي من واقع أمتي، وأمتي واقعها أليم ومفجع، ويبقى بالضرورة أن نلتمس هذا الواقع، ندق على أبوابه لشحذ الهمم والتحريض على التماسك، لقد سقطت بالطبع ( فكرة الفن للفن)، وبقيت وستبقى إلى الآن مقولة (الفن للإنسان والحياة).