من المتوقع أن ينعقد خلال الأسابيع القادمة (ربما بعد رمضان)، مؤتمر الحكم والادارة المنصوص عليه في اتفاقية سلام جوبا، وقد شكلت لهذا الغرض لجنة تحضيرية باشرت عملها فعلياً، وكانت اتفاقية جوبا قد أقرت نظام حكم فيدرالي يتشكل من 8 أقاليم، ويناط بالمؤتمر المزمع تحديد هذه الاقاليم ورسم حدودها وهياكلها وسلطاتها ومستويات الحكم والادارة، ويشار الى أن السودان الذي ارتفع فيه عدد الولايات ابان العهد البائد الى 27 ولاية قبل انفصال الجنوب وتقلصت الى 18 بعد الانفصال، كان مقسما لـ 6 أقاليم فقط هي الشرق ودارفور والشمال والجنوب والإقليم الأوسط وإقليم كردفان..
وبحسب اتفاقية سلام جوبا التي حسمت عدد الاقاليم بثمانية في النظام الفيدرالي الجديد، فلا اظن ان هناك مجال للمؤتمرين لمراجعة هذا العدد بالزيادة أو النقصان، ولهذا يبدو لي ان المشكلة المستعصية التي ستواجه المؤتمر تتمثل فى مستوى الحكم المحلي، فقد كانت الاعداد المهولة للمحليات في تجربة الحكم الاتحادي خلال العهد المباد، واحدة من أكبر المثالب والمعايب التي هزمت تلك التجربة عمليا وفعليا على الأرض، فما حدث منذ إقرار صيغة الحكم الاتحادي في جهات البلاد الأربع وحتى يومنا هذا، يقف كأكبر دليل على التطبيق الخاطئ للحكم الاتحادي وشاهد إثبات على (الشلهتة) التي ضربته حين أصبح عرضة للهوى السياسي والسلطوي والرغبة القبلية، وهكذا ظلت تجربة الحكم الاتحادي القائمة حتى الان ولحين انعقاد مؤتمر الادارة والحكم، في حالة لهاث مستمر إلى أن بلغ حاله لو اجتمع سكان خمس قطاطي وثلاثة درادر وراكوبتين وأبدوا رغبتهم في إقامة محلية لهم، وصادفت هذه الرغبة هوى في نفس السلطة البائدة وتساوقت مع تكتيكاتها لنالوا مرادهم، وبذا إنداح الحكم الاتحادي فأصبح سداح مداح، يقوم على الكوار لا الحساب، وعلى المحاصصة والترضيات لا على العلم والحاجة الحقيقية، ولدفع الشر عن الحكومة وحزبها وليس لجلب الخير للمنطقة وأهلها كما في حالة رفع ولايات دارفور إلى خمس، وفي أسوأ توقيت هو الوقت الذي كانت تعاني فيه البلاد من ضوائق عديدة لا يُفهم في ضوئها إنشاء أي ولاية جديدة تحتاج إلى بنيات وصرف وتجهيزات وإعدادات إلا على أنه مخارجة وحيلة تمكنت معها الحكومة البائدة باالقاء التبعة على أهل الولاية ليتلهوا عنها بصراعاتهم البينية التي تفجرت لتلعب بعد ذلك دور الحكيم المشفق الحادب الحنون،كما تقف ولاية غرب كردفان كأوضح نموذج على الذبذبة والشلهتة بعدم استقرارها على حال ، تظهر وتختفي حسب الحالة السياسية لمن بيدهم الأمر، يقولون لها كوني فتكون، ثم في حالة أخرى مناقضة للأولى يشطبونها من قائمة الولايات ويلحقونها بولاية جنوب كردفان وهكذا دواليك ، ولهذا يبقى المأمول والمنتظر من مؤتمر الادارة والحكم المزمع، أن يعكف بجد وعزيمة وارادة ماضية لتصحيح مسار تجربة المحليات وتقويم إعوجاجها على أساس علمي وعملي وليس على قسمة سياسية وقبائلية كما كان الحال خلال العهد المباد..
الجريدة