أخبار السودان : تعتبر ظاهرة التسرُّب المدرسي من الظواهر القديمة، وهي ليست وليدة اللحظة، وتعتبر فئة الأولاد هي الأكثر تسرباً، إلا أن هذه الظاهرة تمددت خلال الفترة الاخيرة ، نتيجة لتدهور البيئة المدرسية واكتظاظ الفصول وعدم قدرة المعلم على متابعة الطفل ، والرجوع إلى أهله في حالة الغياب المستمر لعدم وجود ارتباط وثيق ما بين إدارة المدرسة والمنزل، فضلاً عن تدهور الاوضاع الاقتصادية وخروج كافة افراد العائلة للعمل، ومشاركة الطفل ايضا في دفع تكاليف المعيشة وغيرها من الأسباب.
مشاهدات
من المشاهدات التي وقفت عليها “الصيحة” في ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس هي انتقال الأسر من منازل لأخرى بسبب ارتفاع إيجارات العقارات، والتقت “الصيحة” بطالبة في الصف الثامن بصحبة أشقائها وهم في انتظار سيارة ملاكي لتقلهم من امبدة الى نفق ام درمان حيث يدرسون هناك، وقالت إنهم كانوا يسكنون بمنطقة بانت انتقلوا الى الجزء الخامس بعد أن فشلت الأسرة في دفع الايجار بالتكلفة الجديدة، وقالت إن شقيقها الذي يدرس بالاول متوسط يصر على العودة بمفرده وأحياناً يتأخر في طريق العودة، وان والدها سوف يقوم بنقله الى مدرسة قريبة من المنزل في العام القادم.
هذه من أكثر الإشكالات التي قد تواجه التلاميذ وهي الانتقال من حي لآخر ومن مدرسة لأخرى وعدم قدرته على التأقلم مع البيئة الجديدة وفقدان رغبته في إكمال تعليمه والتهرب من مقاعد الدراسة في ظل عدم المُتابعة من قبل الأسرة والمدرسة، وبسبب ذلك الانتقال لمسافات بعيدة عن مقر المدرسة، جعل هناك طلابا اصبحوا يذهبون الى شاطئ النيل الابيض ونهر النيل وتمضية الوقت الى حين انتهاء اليوم الدراسي.
عدم مقدرة!!
كشف مدير مدرسة العيساوية قوز الشرك أ. حميدان سليمان، بالريف الجنوبي بأم درمان، عن تسرب عدد من الطلاب من المدرسة بسبب وجبة الإفطار ولعدم مقدرتهم وسوء الوضع الاقتصادي للأسر بالمنطقة، وقال إن عددا من الطلاب ظلوا يسجلون غيابا وعدم الذهاب إلى المدرسة وذلك لعدم قدرتهم في الحصول على وجبة الإفطار، كاشفاً عن إغلاق بوفيه المدرسة بعد ارتفاع أسعار الخُبز وذلك لعدم تغطية نفقاته بسبب الغلاء، وأوضح أن بعض المنظمات كانت تدعم الوجبة المدرسية لكنها توقّفت، مضيفاً أنه في السابق كانت المدرسة تطعم الطلاب غير القادرين على شراء وجبة الإفطار من ميزانية المدرسة، لكن لم يعد للمدرسة ميزانية ودخل بسبب الأوضاع الاقتصادية، وكشف عن نسبة مقدرة وكبيرة من الطلاب ظلت تداوم على الدراسة رغم الوضع المعيشي لهم.
نسب مئوية
فيما أرجع الأستاذ محمد جمعة مدير مدرسة بشرق النيل، التسرُّب المدرسي لعدة أسباب وهي الأوضاع الاقتصادية الطاحنة التي أدّت الى خروج الأم والأب للعمل وعدم قدرتهما على متابعة الطفل، خاصة في المناطق الطرفية، والتظاهرات المستمرة التي اثّرت على الاقتصاد اليومي للمواطن بإغلاق الأسواق والمحلات التجارية والتي يعيش عليها الموطن في زرقه وتوفير قُوت يومه، فضلاً عن العنف الناتج عن بعض المعلمين، وقال محمد جمعة ان50% من التسرب بسبب المعلمين لعدم متابعتهم التلاميذ والتعامل معهم بعنف، الى جانب طردهم من المدرسة بسبب الرسوم، مما يجعل الطفل يتجول بين الأسواق والطرقات حتى انتهاء اليوم الدراسي والعودة للمنزل دون إخبار أولياء الأمور. وكشف عن أن نسبة التسرب الراتب بالمدارس 30%، بينما بلغت نسبة التسرب الجزئي حوالي 20% تقريباً بحسب متابعته لمدرسته والمدارس التي حوله والتي تربطه علاقة مع إداراتها.
تفاوت الأسعار
فيما كشف محمد جمعة أيضاً، عن ارتفاع تكلفة وجبة الإفطار وهناك تفاوتٌ في أسعارها حسب المدرسة وإدارتها، وهناك مدارس كثيرة لجأت إلى إغلاق مطبخ المدرسة بسبب ارتفاع أسعار التكلفة وانخفاض الطلب عليه من قبل التلاميذ الذي أصبح بعضهم يعيش على “الشحدة” من زملائه لسد الجوع.
غياب قسري
فيما كشف أستاذ بإحدى مدارس الأساس بأم درمان، أن هناك غياباً كبيراً وسط الطلاب بنسب عالية، لا سيما في أيام المليونيات، وأضاف أن هناك أولياء امور لا يستطيعون إيصال التلميذ للمدرسة بسبب ارتفاع تعرفة الموصلات ووجبة الإفطار، وهذا الغياب أدى الى تدهور التحصيل الأكاديمي في ظل عدم الاستقرار الدراسي والتشتت الذي صاحب المعلم وأولياء الأمور في المناهج الدراسية.
مناطق طرفية
فيما أوضح الموجه التربوي بمحلية كرري النور الرضي أن هناك نسب تسرب عالية بمحلية كرري وتعود ايضا للأوضاع الاقتصادية، واتفق مع سابقه في الحديث بأن تعامل المعلمين مع التلاميذ له دورٌ كبيرٌ في عمليات تسرب التلاميذ لا سيما طردهم بسبب الرسوم الدراسية، وحدد المناطق الطرفية التي تعتبر الأكثر تنامياً لهذه الظاهرة. كما ارجع تلك الظاهرة أيضاً لتواجد اولياء الامور خارج المنزل لتوفير لقمة العيش، فضلاً عن الخلافات الأسرية وعدم متابعة الأطفال، ويرى أيضًا تواجد طلاب صغار مع كبار في السن يجعل الكبار يحتقرون أنفسهم ويتركون مقاعد الدراسة ويفضلون التواجد في الاسواق وأزقة المنازل، وشدد على ضرورة الاهتمام بالقضية وتسليط الضوء عليها.
انعكاسات سالبة
وترى الباحثة الاجتماعية نعمات الطيب ان تنامي ظاهرة التسرب المدرسي لها تأثيرات كبيرة على المجتمع، من انتشار الجهل والأمية وهما سبب اساسي في انتشار الفقر، وأضافت أن الظاهرة أيضاً لها دورٌ في انتشار عمليات النهب والسلب بما يُعرف “9 طويلة” نتيجة لرفقاء السُّوء وانتشار عمليات إيجار الدرجات النارية “المواتر” غير المُرخّصة بالأسواق والتي تعتمد عليها تلك الفئة، فضلاً عن أنها ساهمت في تنامي عمليات التشرد الجزئي وإدمان “السلسيون”.
مسؤولية حكومية
وحمّل مسؤول سابق بوزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم فضّل حجب اسمه الحكومة، مسؤولية التسرب المدرسي بسبب ضعف الميزانيات وعدم الاهتمام بالبيئة المدرسية والمعلم الذي اصبح يتنقل بين المدارس الخاصة طوال اليوم للبحث عن دخل إضافي بعد ان فشلت الحكومة في منحه راتباً مُجزياً، وقال إن العام الماضي شهد أكثر من 5 آلاف حالة تسرُّب مدرسي، وكشف عن توقُّف كافة المنظمات العاملة في مجال توفير وجبة الإفطار بالمدارس الحكومية، مبيناً أن الوزارة لا تدعم هذه الوجبة (ولا بجنيه واحد).
المصدر: کوش نیوز