أرسل رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، وقائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان طلبا عاجلا إلى القاهرة يستنجد فيه بها، ويريد الحصول على مساعدات عسكرية، خاصة في سلاح الطيران، ليتمكن من فك الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على قواته منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي.
وحاول البرهان حث النظام المصري على الإسراع في دعمه بحجة أن انهيار الجيش يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على الدولة المصرية، أقلها تدفق المزيد من اللاجئين والنازحين، وأقصاها تعرض السودان لحرب أهلية طويلة يمكن أن تؤدي إلى تقسيمه وتهدد أمن مصر القومي.
وأعلنت قوات الدعم السريع الأحد أنها أسقطت طائرة تابعة للجيش السوداني من طراز “ميغ”، في استمرار لأعمال القتال التي تشهدها البلاد منذ أسابيع.
من بين خيارات القاهرة دعم قوات الدعم السريع، ما سيمثل كابوسا للجيش الذي سيجد نفسه محاصرا بين الشمال والجنوب
ونفت مصادر مصرية لـ”العرب” إمكانية التدخل في شؤون السودان وقيامها بمساعدة الجنرال البرهان بمعدات عسكرية، بعد تواتر تقارير أجنبية أشارت إلى هذه المسألة.
وشددت المصادر ذاتها على تمسك القاهرة بالثابت المصري المتعلق برفض التدخل في شؤون الدول الأخرى، لأن ذلك من شأنه أن يزيد الوضع سوءا، مستندة إلى تصريحات سابقة أدلى بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورفض فيها مبدأ التدخلات الخارجية في السودان.
وأضافت المصادر أن هناك عدة سيناريوهات تتعامل بها القاهرة مع الأزمة السودانية ليس من بينها التدخل العسكري، والذي يمكن أن يزيد الأمور تعقيدا في دولة بها فائض كبير من الآليات العسكرية لدى حركات مسلحة وميليشيات ومرتزقة ومواطنين.
وقالت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية “من بين العديد من الخيارات غير المرغوب فيها، يُوجد سيناريو يمكنه على الأقل إنهاء الصراع واستعادة الحكم المدني مع إعطاء كلا الجانبين شيئا يريدانه، وسيحدث هذا إذا اتسم القادة في القاهرة بالشجاعة والحكمة اللازمتين لتحقيقه”.
ومن الخيارات التي أشار إليها الكاتب والمحلل المقيم في برلين محمود سالم في مقاله بـ”فورين أفيرز” خيار دعم القوات المسلحة السودانية عسكريا، حيث يعدّ موقف مصر تجاهها معقدا، فهي حذرة من النزعات الإسلامية بين قيادتها، وترى -نظرا إلى قضايا هذه القوات مع إثيوبيا- أنها حليف سياسي حاسم في نزاعها حول سد النهضة الذي يهدد بتعطيل مصالح البلاد الإستراتيجية المائية وقطاعها الزراعي الهش.
واتهم قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) مبكرا الجنرال البرهان بأنه كان يستعد للقيام بانقلاب عسكري لتمكين فلول النظام السابق والحركة الإسلامية من السيطرة على مفاصل السلطة مرة أخرى.
ومع أن مصر تدعم سياسيا القوات المسلحة السودانية كممثل معترف به للدولة، فإن دعمها العسكري الرسمي لها اقتصر على تدريب القوات حتى الآن، ومن شأن الدعم العسكري للجيش أن يضع مصر في صراع مباشر مع قوات الدعم السريع.
أما الخيار الثاني أمام القاهرة فيتعلق بدعم قوات الدعم السريع عسكريا، وسيكون التحالف بينهما نظريا كابوسا للجيش السوداني الذي سيجد نفسه فجأة محاصرا بين الشمال والجنوب.
وينحصر الخيار الثالث الذي أشارت إليه “فورين أفيرز” في مواصلة عدم فعل أي شيء، حيث اختارت مصر إستراتيجية “الانتظار والترقب” بسبب تعقّد الوضع وغموض خياراته، ويبدو هذا النهج حكيما حاليا، لكن فاعليته طويلة الأمد تعتمد على متغيرين غير معروفين، هما مدة الصراع وهوية الفائز.
ويتمثل الخيار الرابع في دعم وقف إطلاق النار بين الطرفين، أي لا يحقق الجيش أو قوات الدعم السريع انتصارا عسكريا، وبدلا من استعادة الحكم المدني الديمقراطي ستنضم مصر في هذا السيناريو إلى الأصوات التي تدفع نحو إنهاء الصراع العسكري من خلال الدعوة إلى مفاوضات السلام بين الجيش والدعم السريع ودعمها، كما هو الحال مع مبادرة وقف إطلاق النار الأميركية – السعودية.
ودعت الرياض وواشنطن الأحد طرفي النزاع في السودان للعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار جديد، قبل يومين من زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية.
أما الخيار الخامس فيتعلق بالوقوف إلى جانب الأطراف المدنية، وسيتوجب على القاهرة أن تصبح البطل غير المتوقع للأحزاب المدنية والديمقراطية في السودان وتطالب بوجودها في جميع المفاوضات المستقبلية.
ويسمح مزج مصر بين المصالح السياسية بتجنب انتقاء الأطراف بشكل صريح مع توفير مساحة أكبر للمناورة في المحادثات والسياق الجيوسياسي الأوسع.
وقد لا يعد التحالف مع مصر مثاليا بالنسبة إلى الأحزاب المدنية، لكنه الخيار الوحيد الذي من المرجح أن تقدمه أي قوة إقليمية، والذي تحتاجه هذه الأطراف السياسية بشدة.
وقال محمود سالم في مقاله إن مصر ستكون الدولة الأجنبية الأكثر تضررا بشكل مباشر من الصراع المستمر، خاصة مع الأزمات الاقتصادية وأزمة اللاجئين الوشيكة.
وأوضح أن مصر تعيش مأزقا، على الرغم من أنها تجنبت حتى الآن دعم أيّ طرف من طرفي النزاع ولم تشارك في محادثات وقف إطلاق النار بجدة، فليس بحوزتها الموارد ولا ترغب في خوض حرب، لكن لم يعد بإمكانها تحمل تجاهل الوضع أكثر من ذلك.
وما زال وفدا الجيش السوداني وقوات الدعم السريع موجودين في مدينة جدة، على الرغم من تعليق المحادثات وانتهاء وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام.
وأبدت السعودية والولايات المتحدة الأحد استعدادهما لاستئناف المحادثات الرسمية، ودعتا “الطرفين إلى اتفاق على وقف إطلاق نار جديد، وتنفيذه بشكلٍ فعال بهدف بناء وقف دائم للعمليات العسكرية”.
وجاءت هذه الدعوة غداة قصف جوي ومدفعي هز الخرطوم السبت، بغياب أي أفق للتهدئة في نزاع يواصل حصد الضحايا، حيث زادت حدة المعارك في الأيام الماضية بعدما لاقت الهدنة المؤقتة الأخيرة مصير سابقاتها بانهيارها بشكل كامل.
المصدر: صحيفة العرب