خبير: الخلافات بين الرجلين أكثر وضوحاً في زيارات (حميدتي) لاثيوبيا وروسيا، والبرهان لمصر والسعودية والامارات
*الأزمات الدولية: على الشركاء الدوليين الضغط على القيادة العسكرية للموافقة على انتقال السلطة للمدنيين
* محلل: لدى (حميدتي) شكوكاً قوية بأن المؤتمر الوطني يقف وراء مبادرة (الجد) التي تهدف لتنفيذ أجندة عودة المؤتمر الوطني
تقرير: عيسى جديد
من جديد يعود الجدل حول الخلاف مابين الجنرالين (البرهان، حميدتي) وتأثير ذلك على المشهد السياسي عز المتأزم أصلاً، هذه المرة عاد الجدل عبر تحذير مجموعة الأزمات الدولية من انقسام وشيك بين البرهان وحميدتي، والشاهد أن هنالك تقاطعات كثيرة بين الجنرالين وتعتبر بمثابة قنبلة مؤقوتة، وان الصراع المكتوم أصبح صوته عالياً الآن بسبب التراكمات وعدم المعالجة العسكرية لماهية وجود الدعم السريع كقوات مسلحة وكذلك مدى انتشارها وشكل سلطتها بجانب السباق السياسي ليبقى السؤال متى تنفجر قنبلة الخلاف بين تحالف الجنرالين؟
نقاط البيان
حذرت مجموعة الأزمات الدولية، من إنقسام خطير بين البرهان وحميدتي، في خضم الأزمة السياسية والأمنية المستفحلة في السودان. وطالبت الشركاء الدوليين بالضغط على القيادة العسكرية السودانية للموافقة على انتقال السلطة لتصبح بقيادة مدنية، وفقاً لإتفاقهم السابق، والوفاء بالتزاماتهم الأخرى بمغادرة الحياة السياسية. ومع ذلك، قالت مجموعة الأزمات، إن الحلفاء الغربيون، يحتاجون على وجه الخصوص إلى المضي قدماً بحساسية خشية أن يخنقوا عن طريق الخطأ الحركة المؤيدة للديمقراطية في محاولة لإنقاذها.
وأصدرت المجموعة تقريراً أوضحت فيه أن دفع القوى السياسية المدنية لإيجاد طريق للمضي قدماً أو للعمل وفقاً لجدول زمني مفروض خارجياً قد يؤدي إلى نتائج عكسية إذا تم القيام به بطريقة تحطم تحالفها أو تخفف الضغط عن القادة العسكريين السودانيين، في الواقع، تقول المجموعة، إن الضغط الأجنبي أدى للتفاوض مع الجيش، رغم أنه مفهوم، إلى تأجيج الانقسامات داخل المعارضة بشكل منتظم، نظراً للتيارات السياسية المتنوعة التي لا تزال تتصاعد في أعقاب التمرد الشعبي لعام 2019.
وشددت على ضرورة إشراك الجهات الفاعلة الخارجية أيضاً مجموعة أوسع من الجهات الفاعلة المدنية بشكل صحيح – على وجه الخصوص، لجان المقاومة، وكذلك السلطات التقليدية من خارج الخرطوم. وتابعت بالقول ”إذا أعلنت الأحزاب السودانية عن صفقة لتشكيل حكومة، فيجب أن يظل الدبلوماسيون منخرطين عن كثب، لأن أي صفقة من هذا القبيل ستطلق فترة جديدة من المناورات التي قد تعطلها.“
كما طالبت الجهات الفاعلة الخارجية والمحلية أن تضع في اعتبارها استقرار السودان المهتز بالفعل في خطر شديد، ورجحت تصاعد أزمة الجوع في البلاد، وسط قلق متزايد من أن الأطراف المضطربة قد تصبح غير قابلة للحكم وحذرت مجموعة الأزمات الدولية، من حدوث انقسامات خطيرة بين الفصائل المسلحة، بما في ذلك بين البرهان وحميدتي، وأضافت أن كلا الجانبين يواجهان الانقسام المدني والعسكري في السودان مخاطر كبيرة إذا استمروا في الاختلاف على طريق المضي قدماً في الانتقال السياسي في السودان، مؤكدة قمع الجيش للمدنيين بصورة عنيفة مع كل احتجاج، وأشارت إلى أن الجيش مسؤول بالفعل عن الفوضى الاقتصادية وسيتحمل وطأة الغضب الشعبي إذا تفاقم ذلك، في غضون ذلك، نوهت المجموعة، إنه قد ينتهي الأمر بالقادة المدنيين إلى تقاسم اللوم عن التدهور المضطرد في السودان إذا بدوا أكثر اهتماماً بالصراع على السلطة أكثر من اهتمامهم بمحنة السكان، وفشلوا في اغتنام اللحظة السياسية بسبب خلافاتهم العديدة. وطالبت المجتمع الدولي، مضاعفة الجهود لإيجاد طريق للمضي قدماً، خشية أن يواصل السودان انزلاقه الخطير نحو انهيار اقتصادي وسياسي أعمق.
وذركت المجموعة أن الدول الأمريكية والأوروبية، كافحت للحفاظ على العلاقة الوثيقة التي تربط الرياض وأبوظبي بالقادة العسكريين السودانيين، داعمين لفكرة الإدارة التي يقودها مدنيون باعتبارها المسار المفضل للمضي قدماً.وأردفت أنه ”لا السعوديون ولا الإماراتيون يشاركون الغرب في تفضيل الديمقراطية في السودان، لكنهما يقدران الاستقرار والموثوقية وتجديد المساعدات الاقتصادية الغربية للبلاد، وبالتالي ساعدا في أوقات مختلفة في التوسط في المحادثات بين الجانبين العسكري والمدني.“وأشار البيان، إلى إعلان، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان عن إنسحاب الجيش من المفاوضات مع القوى السياسية المدنية في البلاد، والسماح لها بتشكيل حكومة بمفردها.
وأضاف البيان أنّه بمجرد أن يتم تشكيل الحكومة، فإنه سيحل مجلس السيادة، الهيئة التنفيذية التي يرأسها والتي تشترك اسمياً في السلطة مع السياسيين المدنيين، ويقوم بتعيين مجلساً عسكرياً أعلى يمتلك مسؤوليات أمنية ودفاعية “وما يتعلق بها من مسؤوليات.
وذلك بحيث يتفاوض المجلس العسكري لاحقاً على صلاحياته الممنوحة مع الإدارة الجديدة، وذلك ضمن خطة بدت أنها تشكل خطوة تمهيدية للمجلس.وبعد مضي أكثر من شهر، قالت مجموعة الأزمات الدولية، بقيت الجهات العسكرية والمدنية عالقة في مأزق، حيث لم تتفق الجماعات المدنية على نهج محدد للاستمرار.
وذكرت أنه يقع الخطأ في هذا المأزق في المقام الأول على عاتق الجيش السوداني، الذي أطاح بالحكومة المدنية في انقلاب أكتوبر عام 2021، مما أدى إلى عرقلة انتقال البلاد بعيداً عن الحكم الاستبدادي الذي بدأ في عام 2019، وذلك عندما أطاحت الانتفاضة بالرئيس عمر البشير.
وتقول مجموعة الازمات إن البرهان، الذي يحظى بالفعل بدعم قوي من جارة السودان الشمالية المؤثرة مصر، التي تعتبر حليفاً عسكرياً مستقراً في الخرطوم أمراً لا غنى عنه في نزاع مصر مع إثيوبيا بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير، يريد إقناع هؤلاء الحلفاء الخليجيين بأن الجيش هو المسؤول عن استقرار البلاد أكثر من حكومة مدنية منقسمة، على الرغم من المقاومة الشعبية لحكمة. وتابعت بالقول: كما أن البرهان يسعى بشكل أقل نجاحاً، للاستفادة من علاقات السودان الجديدة مع إسرائيل بموجب اتفاقيات أبراهام لتخفيف الضغط من واشنطن.
الخلاف العسكري
من الواضح وجود خلافات بين رئيس مجلس السيادة (الانقلابي) ونائبه بدأت مكتومة لكنها رويدا رويدا أخذت تخرج للعلن، تلك الخلافات تشمل الصعيدين العسكري والسياسي. فعلى الصعيد العسكري يقول مراقبون عسكريون بأنه يبدو ان الفريق البرهان يتعرض لضغوط من بعض منسوبي المؤسسة العسكرية بسبب وجود جيشين في البلاد تحت أمرة قيادتين مختلفتين وهي حالة غير مسبوقة في عالم اليوم ذلك خشية التقاطعات التي يمكن ان تحدث بين الجيشين في اية لحظة لعدم وحدة القيادة وكذلك اختلاف العقيدة القتالية للجيشين واختلاف أسس التدريب والتأهيل والتسليح لهما. خاصة ان قوات الدعم السريع تمتلك قوة بشرية كبرى وتسليح وسيارات وترتدي زياً مختلفاً تماماً عن زي القوات المسلحة، ورغم تكرار المطالبات من عدة جهات باهمية وجود جيش موحد للبلاد الا ان الواقع انه ليس هناك أي بوادر تشير الى وجود مناقشات جادة بين الرجلين حول هذا الامر مما يبعد من احتمالية حدوث ذلك الدمج في المستقبل المنظور.
التنافس السياسي
اما على الصعيد السياسي يقول المحلل السياسي عصام ميرغني لـ(الجريدة) إن الخلافات بين الرجلين أكثر وضوحاً في التنافس السياسي وقد ظهر ذلك على الصعيد الديبلوماسي في زيارات الفريق حميدتي المتكررة الى اثيوبيا ومقابلاته للرئيس أبي أحمد وكذلك زيارته الشهيرة الى روسيا التي تزامنت مع بدايات الغزو الروسي لاوكرانيا، والتي عاد بعدها الفريق حميدتي ليلمح الى امكانية منح روسيا قاعدة عسكرية على البحر الأحمر. وبالمقابل ازدادت زيارات الفريق البرهان الى مصر والسعودية والامارات وهي دول تعارض بشدة وجود قاعدة عسكرية روسية في هذه المنطقة الاستراتيجية، كذلك على الصعيد السياسي الداخلي أكد الفريق حميدتي في تصريحات عقب عودته من رحلة طويلة الى دارفور انه لم يكن موافقاً على مقترح إنشاء مجلس الامن والدفاع وانه لم يشارك في المشاورات في المفاوضات التي انتهت الى ان يعلن الفريق البرهان خروج العسكريين من العملية السياسية .وجاءت ثالثة الاثافي التي أكدت الخلاف الكبير بين الرجلين في تصريح الفريق حميدتي عندما قال انه يريد أن يعرف من يقف وراء مبادرة الشيخ الطيب الجد..!
أعتقد هذه العبارة تمثل (المختصر المفيد في معرفة اسباب الخلاف الشديد).إذ بها اتضح بجلاء ان لدى الفريق حميدتي شكوكا قوية ان المؤتمر الوطني هو من يقف وراء تلك المبادرة وانها تهدف الى تنفيذ الاجندة التي تخدم العودة الكاملة لحزب المؤتمر الوطني سواء من خلال تعيين حكومة غير حزبية او اقامة انتخابات مبكرة وان حميدتي يرى ان تلك العودة للمؤتمر الوطني تتعارض تماماً مع مصالحه الاقتصادية و طموحاته السياسية.
من كل ما تقدم يتأكد بوضوح ان أساس الخلاف بين الرجلين هو خلاف ايديولوجي مفاهيمي لم تستطع التحالفات المرحلية تذويبه بل زادته عمقا.!!!
المصدر: الراكوبة