تراجع الهيمنة الأميركية وتفكك المنظومة الاستيطانية: مؤشرات وتحولات عالمية
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، استولت الولايات المتحدة على موقع الهيمنة العالمية. إلا أن علامات الضعف والتراجع بدأت بالظهور في قوتها، رغم استمرارها في الاحتفاظ بعناصر هذه الهيمنة. تفضل الولايات المتحدة النظام أحادي القطبية على نظام دولي يعتمد على قواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان.
إسرائيل، بدورها، تدرك تراجع الغرب، وقد عادت فرنسا، بعد تصريحات إيمانويل ماكرون عن نهاية الهيمنة الغربية، لتدعو أوروبا إلى الاستقلال وبناء دفاعها الذاتي. صعود آسيا، خاصة الصين، أصبح له تأثير كبير في الاقتصاد والتكنولوجيا والتجارة العالمية. دول أوروبية أظهرت دعمًا لقرارات محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، مما يشير إلى تغيير في السياسات الغربية بعيدًا عن التوجهات الأميركية.
العالم، خاصة دول آسيا وأفريقيا، بدأ يدرك أخطاء الغرب بقيادة أميركا في تقدير قوة روسيا واحتمالات زيادة الدعم الصيني لها. الأحداث الأخيرة في أفريقيا أظهرت انهيار النفوذ الفرنسي هناك، ومحاولات أميركا لملء هذا الفراغ باءت بالفشل. جنوب أفريقيا رفعت دعوى ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وانضمت إليها دول أخرى.
في ضوء حرب طوفان الأقصى، ظهر تراجع الهيمنة الأميركية، حيث واجهت إدارة بايدن صعوبات في التعامل مع نتنياهو الذي لم يعد يقبل بالمرجعية الأميركية. نتنياهو يسعى لتحقيق أهدافه الشخصية خارج نطاق الهيمنة الأميركية، مما يعرض إسرائيل لمخاطر كبيرة. سياسات نتنياهو تسببت في إحراج بايدن وتهديد فرص إعادة انتخابه في مواجهة دونالد ترامب.
ناحوم برنيع، معلق إسرائيلي، أشار إلى أن الوقاحة هي ما يحدد العلاقة بين إسرائيل والإدارات الديمقراطية الأميركية. هذا يعكس تراجع قدرة أميركا على قيادة العالم وحتى إدارة تحالفاتها. تمرد نتنياهو يؤكد ضعف الهيمنة الأميركية.
إدارة بايدن تحاول التمييز بين نتنياهو وإسرائيل، لكنها تفتقر إلى الفاعلية في مواجهة تمرد نتنياهو. في الوقت نفسه، واشنطن لا تظهر رغبة حقيقية في وقف الإبادة في غزة والجرائم في الضفة الغربية. استمرار الإبادة يستخدم كفرصة لتطبيع علاقات إسرائيل مع السعودية، مما ينكر حقوق الشعب الفلسطيني.
أميركا لا تعترف بأن استهداف المدنيين في غزة يمثل إبادة جماعية، رغم الأدلة الواضحة. تدخلاتها العسكرية في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن، بدلاً من أن تعكس قوة متزايدة، تعتبر علامة على التراجع والأفول.
النظام الاستيطاني العالمي، الذي يشمل المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في فلسطين، لا يمكن التعايش معه. تفكك هذه المنظومة شرط أساسي لتحقيق السلام والعدالة. رواية “الأشياء تتداعى” للكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي تصف تفكك المنظومة الاستعمارية البريطانية، وهذا يمكن أن يكون مصير المنظومة الاستيطانية العالمية أيضاً.
التاريخ لا يعود إلى الوراء، وهذه المنظومة في طريقها إلى التفكك، كما حدث مع نظم استعمارية واستيطانية سابقة.