يشتري مجدي ثلاث عبوات من زيت الطهي بقيمة (80) ألف جنيه شهريًا، وهذا السعر يعادل نصف راتبه الشهري من القطاع العام في السودان، وفي بعض الأحيان يُدبر الناس وجبة واحدة خلال اليوم بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة وشراء مواد البقالة، لا سيما في الولايات التي تشهد استقرارًا نسبيًا والخاضعة لسيطرة الجيش.
شهدت الأسواق الموازية لبيع العملة في السودان ارتفاعاً خلال تعاملات اليومين الماضيين، بييع واحد دولار أميركي بـ (1920) جنيهًا من (1850) جنيهًا، بسبب ارتفاع الطلب وقلة العرض.
ويسجل الجنيه السوداني خسائر فادحة بسبب الحرب، وفقد (1600) نقطة أمام الدولار الأميركي منذ اندلاع القتال منتصف نيسان/أبريل 2023، بتوقف الحياة الاقتصادية في العاصمة الخرطوم.
وطلب السودان مساعدات خلال أيار/مايو الماضي من صناديق خليجية لإنقاذ الاحتياطي في البنك المركز، لكن لا تزال الدول الممولة لهذه الصناديق بمعزل عن الاستجابة. وكما أدى توقف الأنظمة المصرفية الأساسية منذ اندلاع الحرب قبل (15) شهرًا إلى تراجع دور القطاع المصرفي، في ذات الوقت فإن الأسواق أيضًا تشكو من قلة العملة المحلية المطبوعة.
ولم تقدم وزارة المالية أي مقترحات بشأن تحسين وضع العملة المحلية، سوى تصريحات أدلى بها الوزير جبريل إبراهيم في آذار/مارس الماضي، وتحول الاقتصاد إلى اقتصاد طارئ بسبب الحرب وفقدان ثلثي الإيرادات العامة.
ومطلع هذا العام أجاز اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء موازنة العام 2024 دون الإفصاح عن التفاصيل المالية وخطط التمويل بشأن الموسم الزراعي، والإنفاق العسكري وإنعاش الجنيه السوداني.
وهناك تقديرات حكومية تقول إن خسائر الحرب في القطاع الخاص وخسائر المواطنين تقدر بـ (150) مليار دولار، فيما تذهب إحصائيات أخرى إلى أن الخسائر تفوق الـ (200) مليار دولار.
وأكبر مصفاة للنفط شمال العاصمة الخرطوم متوقفة منذ اليوم الأول للقتال قبل (15) شهرًا عقب سيطرة الدعم السريع وتوقف العمل في مرور الخام إلى الموانئ، كما خسرت الخزانة العامة عائدات بيع الوقود والمشتقات النفطية محليًا من إنتاج هذه المصفاة التي تغطي 50% من الاستهلاك المحلي.
وقال معاوية يس وهو تاجر في سوق مدينة عطبرة لـ”الترا سودان”، إن السلع تسجل أسبوعيًا زيادات في الأسعار، لأنها تطارد سعر الصرف في السوق الموازي للعملات الصعبة.
وقال إن النشاط التجاري يعاني من ركود شديد بسبب رغبة المواطنين الذين فقدوا العمل في مناطق الحرب، بالتوجه إلى العمل الخاص إلى جانب ارتفاع تكلفة الاستيراد وشح وارتفاع الوقود.
ويرى يس أن الحكومة لا تملك حلول أمامها سوى مشاهدة الكارثة وهي تقع على رؤوس المواطنين، وقال إن الحل في وقف الحرب وإعادة الحياة إلى الاقتصاد مع الوضع في الاعتبار أن الاقتصاد كان يعاني من مشاكل مركبة قبل الحرب.
ولا تقتصر أزمة الجنيه السوداني على شح العملات الصعبة، بل لا تزال “العملات المزيفة” تشكل عبئًا عليها إلى جانب عدم اليقين لدى التجار والمستوردين من بقاء سعر الصرف عند هذه الحدود.
يقول مجدي من مدينة كسلا شرق البلاد وهي ولاية تخضع لسيطرة الجيش لـ”الترا سودان”، إن شراء طحين القمح “الدقيق” وزيوت الطهي والسكر والشاي مكلف للغاية، والناس باتوا يخشون السؤال عن الأسعار لأن الإجابة مقلقة بالنسبة لهم.
ويرى مجدي أن العاملين في القطاع العام يحصلون على أجور شحيحة لا تغطي 20% من الاحتياجات الأساسية للعائلات، وأغلب العاملين لا يحصلون على أجور شهرية منتظمة والتي تبلغ في المتوسط (150) ألف جنيهًا ما يعادل (80) دولاراً أميركيًا.
ويصف مجدي الوضع المعيشي بـ”المأساة”، قائلاً قبل الحرب كنا نقول إن السودان يعاني من أزمة اقتصادية، لكن حاليًا الوضع كارثي ومأساوي مع غياب الأمل.
ورغم أن الموسم الزراعي كان يحي آمال عشرات الآلاف من المزارعين في الأرياف مع عائلاتهم، لكن خروج غالبية مساحات مشروع الجزيرة الزراعي وهو أكبر مشروع زراعي في السودان، يضاعف من معاناة المواطنين في ولاية الجزيرة التي تسيطر الدعم السريع على أجزاء واسعة منها، ولم تنجُ المناطق الواقعة خارج سيطرة هذه القوات داخل الولاية من عبء هذه الحرب.
وقالت منظمات محلية وأعضاء لجان مقاومة، إن الدعم السريع تستخدم بعض الأراضي الزراعية في الجزيرة لفتح معسكرات التجنيد لحشد المقاتلين إلى جبهات جديدة.
المصدر: الترا سودان