ايران…بناء دستوري وسياسي محكم -2
تحدثنا بالامس عن مقولة يرددها الجاهلون أو ذوي الغرض حول الانتخابات الرئاسية الايرانية واستبعاد مجلس تشخيص مصلحة النظام لبعض المرشحين وعدم قبول طلباتهم بالترشح في الانتخابات ، وقلنا ان هذا الامر يتسق مع البناء السياسي والدستوري الايراني وليس كما يروج البعض انه شكل من أشكال الاستبداد وخطأ المقولة التي يرددها البعض تبعا للاعداء بان الخطوة ممارسة دكتاتورية يريد بها مكتب الولى الفقيه ابعاد معارضيه وهو قول علاوة على انه خاطئ فانه يكشف جهل من يقول به وعدم معرفته بايران ومؤسساتها ، ولابد ان يعرف الناس ان النظام الانتخابي في ايران هو نظام جمهوري خاص بها، فهي لا تتبنى أي نسخة من الديموقراطيات الغربية، ولا تراها تمثل انموذجاً صالحاً لتحقيق العدالة والمصلحة العليا للبلد وأمنها القومي، لا شكلاً ولا مضموناً، فمن الناحية الشكلية والممارسة الانتخابية للديموقراطية في النسخة الايرانية انه لا حاجة للنظام الحزبي الذي يتسبب بانقسام عميق في المجتمع ويتحول الانتماء فيه إلى عصبية حزبية بدل أن يكون وطنياً بل تتم الممارسة من خلال اطروحات المترشحين للسياستين الداخلية والخارجية، ويقوم بدعم المترشح والعمل معه من يقتنع باطروحته، بعيداً عن انتمائه لرؤية الخطين الاصلاحي والأصولي، وهذا ما يجعلنا نرى شخصيات محسوبة على هذا التيار تستوزر في دولة يرأسها شخص من التيار الآخر والعكس صحيح، بل يمكن أن يستوزر شخص في حكومة يرأسها من كان متنافساً معه على الرئاسة من التيار الآخر ،ولم تخل حكومة اصلاحية من وزراء أصوليون والعكس صحيح.
ومن ناحية المضمون فالاختلاف بين الأنموذج الجمهوري الإسلامي في إيران والنماذج الغربية، أشد بروزاً وعمقاً، ففي الغرب صاحب التشريع ومصدر السلطات هو الشعب، لكن في ايران لا يملك الشعب الحق بهذه الصورة، وإنما لديه سلطة في حدود انتخاب شخص لا تكون له نفاذية بعد فوزه بالانتخابات إلا بنيله اذن الممارسة من قبل الولي الفقيه، ولهم حق مراقبة الأداء عبر مؤسسات معقدة التركيب ومتبادلة المسؤوليات ، ولا يسمون نظامهم هذا ديموقراطياً بل نظام السيادة الشعبية الإسلامية، فسيادة الناس محكومة برؤى الإسلام..
ومن رؤى الإسلام عدم تعريض المجتمع لتجاذبات حادة في الممارسة السياسية تؤثر سلباً على الوحدة الوطنية، والإنسجام الشعبي، فلو تم النظر لمترشح على أنّه حاد ومتشنج تجاه منافسيه، سيتم استبعاده من المنافسة حفظاً للاستقرار الداخلي، مع أن الشخص حائز على جميع ما يلزم من الشروط الأولية العامة، فالرئاسة ليست منصباً يتنافس عليه الراغبون به، بل يجب ضمان أن من يشغله يناسب الفترة التي تعيشها الجمهورية داخلياً وخارجياً ويستطيع أن يعيش اجواء سليمة وسلمية وهذا أيضاً لا وجود له في النماذج الغربية.
لهذا من يريد ان يقيّم ويحاكم التجربة الانتخابية الإيرانية عليه أن يعرفها ويحاكمها إلى معاييرها ومتبنياتها، لا إلى معايير واطروحات الديموقراطية الغربية
سليمان متصور