أوحت زيارة قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى الجزائر الأحد بأنه رجل يسعى للسلام ولا يزال وجها مقبولا على الصعيد الإقليمي، بعد أن طغت جولات قام بها قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في عدد من دول القارة الأفريقية مؤخرا على جولات قام بها البرهان نفسه من قبل في عدة دول ولم تحدث مردودا سياسيا ملموسا كذلك الذي أحدثته جولات حميدتي.
ونشرت وسائل إعلام سودانية أنباء عن اجتماعات عقدت بين ممثلين عن الجيش والدعم السريع في العاصمة البحرينية المنامة مؤخرا، بإشراف مصري – إماراتي، وقيل إن الجزائر دخلت على خطوطها من باب البحث عن دور سياسي في ملف شائك.
وحافظ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على أسلوب التصعيد الكلامي الذي صار يميز خطابه وأكد عقب لقائه البرهان “وقوف بلاده إلى جانب السودان لتجاوز الظروف الصعبة ومواجهة قوى الشر التي تستهدفه”.
وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن البرهان يريد مشاركة الجزائر في أي مبادرة والاستفادة من استعدادها للتدخل في الأزمة السودانية، والتي قد لا تعلم الكثير عن تفاصيلها، لكن يمكنها أن تمثل وسيلة داعمة له في ظل انحيازها الضمني للجيش، أو أداة للجدل عندما يحين وقت مناقشة قضايا جادة لا يستطيع قائد الجيش الالتزام بها.
وشددت المصادر على أن القيمة المعنوية المؤقتة أكبر من القيمة المادية التي يمكن أن يتحصل عليها البرهان، حيث تبدي الجزائر رغبتها في الوساطة السياسية لبعض الأزمات الإقليمية وعندما تقترب منها تتفاجأ بمصدات تعرقل طموحها، لأنها تفتقر إلى طول النفس السياسي الذي يساعدها على إحداث مواءمات تؤدي إلى نتيجة ملموسة.
وأبدت الجزائر رغبة جامحة في تسوية أزمة سد النهضة والوساطة بين مصر والسودان وإثيوبيا منذ حوالي عامين، غير أن دورها توقف فجأة وبلا تفسيرات أو مبررات، ولم تتمكن من تحقيق اختراق يشي بقدرتها على التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف.
وأكدت المصادر ذاتها أن الجزائر لا تملك أدوات ضغط حقيقية على طرفي الصراع في السودان، وقد يفضي تدخلها بأي مقاربة الآن إلى خلافات حول وساطتها بسبب ميلها نحو رؤية الجيش، وعدم معرفتها بدهاليز السودان، وعدم ترحيب قوى إقليمية بدورها بشكل منفرد، حيث يؤثر سلبا على دور الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد).
وقال بيان نشرته القوات المسلحة السودانية الأحد إن البرهان سيجري مباحثات مع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، تتناول مسار العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، والقضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.
وتعمد البيان تجاهل الإشارة إلى مناقشة الأزمة السودانية ووقف إطلاق النار، والتركيز على أن البرهان هو المسؤول الأول في الدولة، أملا في تخفيف وطأة المكاسب السياسية التي حقهها غريمه حميدتي من جولاته الإقليمية وانتصاراته الميدانية التي مكنته من السيطرة على ولايات عديدة.
ورافق البرهان خلال زيارته إلى الجزائر -والتي تستمر يومين- وزير الخارجية المكلّف السفير علي الصادق، ومدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل.
وقال القيادي في تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي) محمد الهادي محمود إن البرهان يبحث عن استمالة الجزائر التي حاولت منذ بداية الحرب الحفاظ على مسافة طويلة بينها وبين جميع الأطراف المنخرطة في الصراع الدائر حاليًا، دون أن يملك أدوات حقيقية تمكنه من الضغط عليها بسبب سياستها المحافظة، وبدأ ينطلق من شعارات قومية لعبت دورا في تردي أوضاع السودان، على أمل أن تجد أصداء في الجزائر.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “البرهان في مأزق؛ فهو لا يستطيع أن يخلي مسؤوليته عن الدماء والجرائم التي تورط فيها، ويتجه شرقاً وغربًا في غير مصلحة السودان، بما يسهم في إضاعة المزيد من الوقت، في حين أن الجميع يتفق على أن مصلحة السودان تتمثل في وقف الحرب بأقصى سرعة من خلال أول مكان انطلقت فيه مفاوضات الحل عبر منبر جدة، وما يحدث الآن محاولات للابتعاد عن دوائر الحل”.
وذكر أن مواقف قائد الجيش تسببت في عزل السودان دوليا، في ما بات يشبه العزلة التي كانت حاضرة في عهد الرئيس السابق عمر البشير، وكل ما يسعى إليه البرهان هو تحقيق انتصار عسكري يمكنه من السيطرة على السلطة، وهو أمر يستحيل أن يتحقق على أرض الواقع حاليا، ما يجعل زيارته إلى الجزائر تحصيل حاصل من دون أن تجلب بوادر إيجابية بالنسبة إلى مصالح الدولة السودانية.
ويبدو أن الجزائر تريد الاستفادة من وجود وزير خارجيتها السابق رمطان لعمامرة على رأس بعثة الأمم المتحدة في السودان، كمبعوث شخصي لأمينها العام أنطونيو غوتيريش، وجس النبض بشأن إمكانية أن يكون لها دور سياسي في الأزمة.
جاءت زيارة البرهان إلى الجزائر بعد لقاءات عقدها لعمامرة مع عدد من القوى الموالية للجيش لبحث سبل إنهاء الأزمة، ما وفر انطباعات سلبية عن مهمته الجديدة، لأن غالبية اللقاءات التي عقدها أوحت بانحيازه إلى رؤية الجيش الذي أطلق شرارة الحرب ضد قوات الدعم السريع في منتصف أبريل الماضي، وتنصل من مبادرات ترمي إلى وقفها.
وعيّن وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان في نوفمبر الماضي، خلفا للألماني فولكر بيريتس الذي احتجت عليه وزارة الخارجية السودانية ثم قدم استقالته في سبتمبر الماضي.
ويخشى مراقبون من محاولة لعمامرة تبني توجهات تصب في صالح الجيش، ما يضع الأمم المتحدة كطرف هش من السهل الضغط عليه، فالتحفظات التي أبدتها قيادة الجيش ووزارة الخارجية في السودان على أداء المبعوث السابق لا تخول للمبعوث الحالي تبني توجهات عكسية ليثبت أنه غير منحاز إلى القوى المدنية والدعم السريع.
ويؤكد المراقبون أن أي محاولة من جانب الجزائر لتوظيف وجود رمطان لعمامرة على رأس البعثة الأممية ستؤدي إلى أزمة سياسية جديدة للأمم المتحدة، وستشير إلى أن أي وساطة جزائرية، منفردة أو جماعية، ستكون محفوفة بهواجس قوى سودانية فاعلة، تسعى لعدم تشتيت مبادرات التسوية وتحقيق أهداف البرهان.
المصدر: العرب