أخبار السودان:
ندلف في هذا المقال الثاني نحو مناقشة البعد المتعلق بطبيعة نظام الحكم وقدرته المؤسساتية. دولتنا ضعيفة وهزيلة مؤسساتيا ومع ذلك تواجهها مهمة بناء الأمة واستدامة الديمقراطية وحكم القانون، وهي مهمة تبدو شبه مستحيلة بالنظر إلى القدرات الضعيفة لمؤسسات السودان السياسية، والشح الشديد للكفاءات الموالية للثورة داخل الحكومة الانتقالية ومؤسساتها نتيجة للهجرة الواسعة للعقول إلى الخارج في ظل سيادة نظام الإنقاذ.
لبناء دولة مدنية وامة قوية تواجه الحكومة الانتقالية تحديات جمة، ابرزها إعادة الاعمار لما دمرته الحرب، وبناء السلام وإنهاء الحرب، وهي مهمة لا تستطيع مؤسسات البلاد المحلية الضعيفة الاضطلاع بها ولا تملك الدولة رصيد لتكاليف هذه العملية المكلفة، لذلك لابد من إشتراك المجتمع الدولي في عمليات إعادة الاعمار، وهي مشاركة يجب أن تكون إيجابية تنحو نحو بناء المؤسسات الوطنية التي تتأهل لتصبح مع الزمن قادرة على تولي عمليات مواصلة إعادة التأهيل والأعمار بعد فترة قليلة نسبيا تغادر بعدها بعثات المجتمع الدولي. إعادة الاعمار بايد خارجية بدون بناء مؤسسات مشابهة وتأهيل خبرة وطنية في مجالات البناء سيكون خطأ مكلفا قد يديم بقاء البعثات الأممية لفترة غير محددة وهو في حد ذاته خطر سيادي ووطني بجانب انه سيستهلك مقدرات وتكاليف باهظة بصورة أكبر من تلك التي تستهلكها المؤسسات المحلية المؤهلة.
البعثة الأممية وصلت بطلب من رئيس الوزراء، وهو طلب صحيح من رئيس الوزراء يثبت ان الرجل مطلع ومعترف بأن المؤسسات السودانية غير جاهزة للاضطلاع بعمليات بناء مؤسسات الدولة الحديثة في أعقاب انهيار نظام حكم شمولي سيطر على البلاد لمدة ثلاثين سنة. الاستفادة من هذه البعثة في إنشاء مؤسسات حكم مركزية – لا مركزية سيكون هو الخيار الأفضل من انهماك هذه البعثة في قضايا السياسة والخلافات السياسية والمشاكل الأمنية. فجميع هذه المشاكل مصدرها الأساسي هو غياب المؤسسات الفعالة وبطء ردة الفعل للحكومة وغموض نشاطاتها وعدم وضوح توجهها، وجميعها سلبيات يعالجها بناء مؤسسات دولة قوية وفعالة وديناميكية وشفافة وقريبة من المواطن والشركاء السياسيين.
من أجل بناء مؤسسات قادرة ومكتفية ذاتيا لدولتنا الوليدة نعاني من أزمة تشابه أزمة العراق بعد الغزو وانهيار نظام صدام حسين، حيث واجهت الدولة الوليدة بعد الاطاحة بصدام حقيقة وجود نظام صدام بالكامل داخل المؤسسات المدنية والجيش مع وجود كفاءات بسيطة جدا من غير الموالين للنظام، وبالتالي عند تفكيك النظام تمت إحالة الكفاءات للصالح العام ولم تجد الحكومة الجديدة كفاءات تحل محلها، فانهارت الدولة العراقية، رغم المساعدات الأجنبية الكبيرة للعراق فشلت الدولة العراقية في بناء الأمة وصناعة الدولة القوية نتيجة فشلها في بناء المؤسسات وتدعيمها بالكفاءات الكافية. ونحن نواجه نفس المشكلة اذ يوجد في المؤسسات العامة والجيش والشرطة جيل كامل من أنصار النظام البائد مع قلة في عدد الكفاءات المناظرة من أنصار الثورة، وهو ما يجعلنا في محاولتنا لتفكيك الانقاذ نتعرض لخطر انهيار دولة شبيه بانهيار العراق. لذلك يحتاج بناء دولتنا المدنية الكثير من الحذر والكثير من المساعدات الخارجية والكثير من التوفيق والحظ كذلك.