ـ قائد قوات الدعم السريع هدد رئيس مجلس السيادة بتشكيل حكومة موازية في الخرطوم إذا ما شكل حكومة حرب في بورتسودان
ـ جولة البرهان الخارجية كشفت عن خسارة حميدتي المعركة الدبلوماسية
ـ سعي حميدتي لاستقطاب “قوى الحرية والتغيير” لتشكيل “حكومة مدنية” يهددها بفقدان شعبيتها وحيادها وانقسام مكوناتها
ـ حميدتي يصعب عليه تكرار السيناريو الليبي واليمني لعدم سيطرته الكاملة على العاصمة وعلى أي مدينة رئيسية وافتقاده لدعم عسكري ودبلوماسي صريح من حليف إقليمي أو دولي
تهديدات قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو “حميدتي” بتشكيل حكومة موازية مقرها العاصمة الخرطوم، إذا ما أقدم رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، على تشكيل “حكومة حرب” في مدينة بورتسودان (شمال شرق)، تثير تساؤلات بشأن تكرار السيناريو الليبي واليمني في السودان.
ولم يعلن البرهان حتى الآن تشكيل حكومة جديدة في بورتسودان، لكنه استقر “مؤقتا” في المدينة الساحلية على البحر الأحمر، منذ أغسطس/ آب الماضي، بعدما مكث أكثر من أربعة أشهر في مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم.
وتعتبر بورتسودان عاصمة الشرق السوداني لاحتوائها على أكبر ميناء في البلاد، والذي يستخدم محطة رئيسية للتجارة الخارجية، وأيضا لتصدير نفط دولة جنوب السودان.
كما تكمن أهمية بورتسودان الاستراتيجية في امتلاكها مطارا دوليا ما يجعلها أكثر انفتاحا على العالم الخارجي، وبعيدة نسبيا عن المعارك في الخرطوم، بنحو 850 كلم.
ويسمح كل من ميناء ومطار بورتسودان، لرئيس مجلس السيادة بالتنقل إلى الخارج بحرية واستقبال الوفود الأجنبية والمساعدات الإنسانية والعسكرية، وهو ما يثير قلق حميدتي، من احتكار البرهان للشرعية والاعتراف الدولي، والدعم العسكري، ما سيجعل “الدعم السريع” في نظر المجتمع الدولي “قوات متمردة”، ويؤدي إلى عزلها خارجيا.
ورغم سيطرة قوات الدعم السريع بشكل مفاجئ على مقر الرئاسة في الخرطوم وعلى عدد من مقرات الوزارات ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون في أم درمان، فإنها لم تتمكن من إحكام سيطرتها على العاصمة، بعد أن استوعب الجيش الموجة الأولى من الهجوم، وحقق بعدها توازنا في ميدان المعركة بفضل تفوقه الجوي، ودخول سلاح المدرعات ساحة القتال.
ـ افتقاد حليف سياسي قوي
في التسجيل الصوتي لحميدتي، والذي نشر على منصة “إكس”، في 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، هدد بأن قواته ستبدأ مشاورات لتشكيل “سلطة مدنية” بالمناطق الخاضعة لسيطرتها في البلاد على أن تكون الخرطوم مقر حكومته المفترضة.
وحديث حميدتي عن “سلطة مدنية” فيه تلميح إلى أنه سيشرك في حكومته المحتملة أحزاب وتيارات سياسية، وعلى رأسها أطراف في تحالف “قوى الحرية والتغيير”، الذي يضم مكونات سياسية ومدنية ومهنية.
ويتهم ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي “قوى الحرية والتغيير (قحت)”، بدعم قوات الدعم السريع (شبه عسكرية)، إذ تفاعل مغردون على نطاق واسع مع وسم “قحت لا تمثلني”، بينما رد أنصارها بوسم آخر “قحت تمثلني”.
ولا تخفي قوى الحرية والتغيير تعاطفها مع قوات الدعم السريع، لاعتقادها بأنها “تسعى لبناء جيش سوداني واحد”، بينما ترى أن بقايا النظام السابق تسعى لإشعال حرب أهلية في البلاد، لكنها تحاول الحفاظ على حيادها.
غير أنه من المستبعد أن تغامر “قوى الحرية والتغيير”، بتشكيل حكومة مشتركة مع “قوات الدعم السريع”، وتغامر بمصداقيتها، في ظل غضب شعبي من اتهامات لقوات حميدتي، بنهب الممتلكات وقتل للمدنيين واغتصاب للنساء، بحسب تقارير لمنظمات حقوقية بينها “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش”.
كما أن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت في 6 سبتمبر/ أيلول الجاري، على موقعها الإلكتروني، فرض عقوبات على قائدين كبيرين في قوات الدعم السريع، على رأسهم عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق حميدتي، بسبب “أعمال قتل بدوافع عرقية”، و”عنف جنسي” و”أعمال نهب المجتمعات المحلية”.
إذ إن مشاركة “الحرية والتغيير” في حكومة مشتركة مع “الدعم السريع” سيجعلها طرفا في الحرب المحتدمة مع الجيش، وفي الوقت نفسه لن تضمن أن ينقلب عليها حميدتي، إذا استنفذ دورها وتغيرت التحالفات.
وتحاول قوى الحرية والتغيير أن تتبنى موقفا محايدا يهدف “لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية”، وبالتالي فإن مشاركتها في حكومة حميدتي المفترضة لن يخدم هذا الهدف، بل سيؤدي إلى مزيد من الانقسامات والانشطارات بين مكوناتها الحزبية والمهنية والمدنية.
وإذا لم يتمكن حميدتي من استقطاب حليف سياسي قوي لصفه، فيصعب عليه تشكيل حكومة مدنية كما يروج لذلك، وسيضطر إما للتخلي عن تهديده أو تشكيل حكومة عسكرية من مكون عرقي واحد، ما سيصعب عليه اكتساب مشروعية لا داخليا ولا خارجيا.
ـ الطير خرج من القفص
أكثر ما يثير قلق حميدتي وجعله يلوح بورقة التقسيم، تمكن البرهان من مغادرة الخرطوم بعدما كان شبه محاصر داخل مقر القيادة العامة للجيش وسط العاصمة، طوال أربعة أشهر.
فمنذ اليوم الأول لتمرد قوات الدعم السريع، منتصف أبريل/ نيسان الماضي، حاولت اعتقال البرهان، أو تصفيته، حيث هاجمت منزله، ومقر قيادة الجيش، والقصر الجمهوري، ولكنه تمكن من الإفلات.
وخروج البرهان من الخرطوم، نهاية أغسطس، وزياراته لكل من مصر وجنوب السودان وقطر وإريتريا وتركيا وآخرها أوغندا، في 16 سبتمبر، تعني انتصاره في المعركة الدبلوماسية، واكتسابه “ضمنيا” اعترافا دوليا بشرعية قيادته للبلاد في هذه المرحلة.
بينما يواجه حميدتي عزلة دولية، وظهوره نادر إلا من خلال رسائل صوتية منسوبة إليه، حتى إن البعض شكك في وجوده على قيد الحياة، لطول غيابه عن المشهد.
ويفتقد حميدتي إلى حلفاء دوليين بارزين، خاصة بعد مقتل زعيم شركة فاغنر الروسية يفغيني بريغوجين، الذي يعتقد أنه زوده بصواريخ مضادة للطائرات، ومسيرات، عبر مواقعه في ليبيا ومنها إلى الحدود مع إقليم دارفور.
فدعم روسيا لحميدتي ليس مؤكدا، وحتى الإمارات نفت مساندتها له، في أغسطس الماضي، ردا على تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، اتهم أبوظبي بتقديم دعم عسكري كبير لقوات الدعم السريع.
كما لا تسيطر قوات الدعم السريع على أي ميناء بحري أو مطار كبير، ما يجعل من الصعب إمدادها بالسلاح من أطراف خارجية بالكميات والوقت المناسبين.
وتشكيل البرهان لحكومة طوارئ في بورتسودان، سيجعل حضوره الدبلوماسي والإعلامي أكثر يسرا، ما سيسمح له بممارسة مهام “رئيس الدولة” بأكثر حرية ومرونة في الحركة داخليا وخارجيا، مقارنة بالخرطوم.
وهذا أكثر ما يقلق حميدتي، الذي اعتبر أن جولات البرهان الخارجية “انتحال لصفة رئيس الدولة”، لذلك لوح بتشكيل “سلطة حقيقية” في مناطق سيطرة قواته تكون عاصمتها “الخرطوم”.
ـ السيناريو الليبي واليمني
تلويح حميدتي بتكرار السيناريو الليبي من خلال إنشاء حكومتين تتنازعان الشرعية وتمارسان سلطتهما على مناطق سيطرتهما، مسألة فيها العديد من نقاط الظل والاختلاف.
فقائد قوات الدعم السريع حذر من أن تشكيل البرهان حكومة مقرها بورتسودان، يعني “الاتجاه نحو سيناريوهات حدثت في دول أخرى، بوجود طرفين يسيطران على مناطق مختلفة في بلد واحد”.
وأقرب السيناريوهات لتصور حميدتي هما ليبيا واليمن، حيث تتواجد بهما حكومتان، وقوات متعددة تسيطر على مناطق مختلفة من البلاد.
لكن حميدتي لا يسيطر على كامل الخرطوم، مثلما يسيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء، ولا يمكنه إقامة حكومة في مدينة تشهد قتالا غير محسوم إذا لا يسيطر بعد على أي مدينة كبيرة بشكل حاسم.
فضلا عن أن حميدتي لا توجد أي دولة إقليمية تدعمه بشكل قوي ومعلن مثلما تدعم إيران الحوثيين، وتدعم روسيا ومصر وفرنسا خليفة حفتر، قائد قوات الشرق الليبي عسكريا ودبلوماسيا.
ولا تسيطر قوات الدعم السريع على أي ميناء ولا أي مطار استراتيجي رغم محاولاتها المتعددة للسيطرة على بعض المطارات والقواعد الجوية في الخرطوم ومدينة مروي في الولاية الشمالية، وفي إقليمي دارفور وكردوفان.
وباستثناء مناجم الذهب في دارفور، لا تتحكم قوات الدعم السريع في آبار النفط المحدودة وعلى رأسها هجليج، وكذلك خطوط نقل نفط جنوب السودان إلى بورتسودان، ومواردها المالية محدودة، رغم اعتمادها أحيانا على متطوعين، ولجوء بعض عناصرها إلى النهب.
بينما تسيطر قوات حفتر على معظم آبار النفط والموانئ النفطية والعديد من المدن والموانئ الرئيسية مثل بنغازي وطبرق والبيضاء.
كما أن حميدتي لم يتمكن من نسج تحالفات مع تيارات سياسية تسمح له بأن يكون له ظهير مدني وشعبي يروج لمشروعه السياسي، على غرار تحالف حفتر مع رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح.
فقوات الدعم السريع تفتقد السيطرة على العاصمة، ولا تحظى بدعم دولة إقليمية أو كبرى، ولا تسيطر على موانئ ومطارات استراتيجية، ولا على موارد طاقوية، تسمح لأي حكومة مفترضة لحميدتي بالاستمرار على المديين المتوسط والطويل.
فمشروع حميدتي لتشكيل حكومة موازية يفتقد للاعتراف الدولي، ومن شأنه أن يدفع البلاد نحو التأزيم، خاصة في ظل وجود عدة حركات مسلحة وتنظيمات تحمل مشاريع انفصالية سواء في الجنوب أو الغرب أو حتى الشرق.
المصدر: الاناضول