يحاول قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان من خلال جولاته الخارجية، التي كانت آخر محطاتها أسمرة، حشد دعم الدول الإقليمية في مواجهة مقاربات الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا (إيغاد)، الساعية لتفكيك عقد الأزمة دون الانتصار لهذا الطرف أو ذاك، وهو ما يرفضه البرهان.
عاد قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان من زيارة خاطفة لأسمرة من دون أن يحصل على ما يريده، حيث التقى الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، وقائد الحركة الشعبية – شمال عبدالعزيز الحلو، على أمل بناء تحالف يبعثر به أوراق الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا (إيغاد) وقوات الدعم السريع.
وجاءت زيارة اليوم الواحد إلى أسمرة بعد حرب بيانات بين وزارة الخارجية السودانية والاتحاد الأفريقي وإيغاد، حيث يقود الطرفان الأخيران مساعي لتقريب وجهات النظر بين الجيش وقوات الدعم السريع.
كما تأتي في ظل وضع صعب يواجهه الجيش ميدانيا بتشتت قواته على أكثر من جبهة ونجاح قوات الدعم السريع في تكبيد عناصره خسائر فادحة. وذكر موقع “سودان تربيون” الثلاثاء أن البرهان التقى عبدالعزيز الحلو في أسمرة، وطلب منه القتال ضد الدعم السريع، وهو اللقاء الثاني الذي يجمع بينهما بعد تسريبات أكدت اجتماعهما خلال زيارة قام بها قائد الجيش إلى جوبا قبل أيام.
وتعهد البرهان بتأمين الخطوط الخلفية لقوات الحلو، حال تحركها للالتحاق بجبهات القتال في الخرطوم عبر الوصول إلى ولاية الجزيرة أو القتال ضد الدعم السريع في إقليمي دارفور وكردفان، بعد أن وافق على شروط الحلو التي تشمل تبني العلمانية ووقف سيطرة الإسلاميين على مفاصل الدولة في السودان.
وطلب قائد الحركة الشعبية مهلة أسبوع من أجل الموافقة على عرض قائد الجيش للتشاور مع المجلس التشريعي للحركة الشعبية، والذي من المتوقع أن يرفض الزج بالحركة في حرب ليست طرفا مباشرا فيها، كما أن مصالحها مع الدعم السريع كبيرة.
وخلال زيارته المختصرة حاول البرهان استمالة الرئيس أفورقي إلى صفه ودعم رؤيته التي تذهب نحو التشكيك في أي جهود تقوم بها جهات أفريقية، خاصة أن إريتريا غير ممثلة في اللجنة الرباعية المنبثقة عن إيغاد التي تتكون من إثيوبيا وكينيا وجيبوتي وجنوب السودان.
وقال القيادي في التيار الوطني السوداني نورالدين صلاح الدين إن “قائد الجيش يهدف من وراء زياراته الخارجية الأربع، والتي شملت مصر وجنوب السودان وقطر ثم إريتريا، إلى التأكيد على أنه يحتكر شرعية تمثيل الدولة في المحافل الخارجية عبر استقبالات رسمية يلقاها في الدول المختلفة باعتباره رئيسا لمجلس السيادة، ما يمنحه ميزة شكلية عن خصمه في الحرب الدائرة قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)”.
وأضاف صلاح الدين في تصريح لـ”العرب” أن “الرجل كل ما يشغله محاولة حشد مواقف رمزية من أكبر قدر من الفاعلين الذين يريد أن يقنعهم بتقديم أنواع مختلفة من الدعم له في الحرب الدائرة، وأن بداية الجولات جاءت من دول الجوار لهذا الغرض”.
وأشار القيادي في التيار الوطني السوداني إلى أن الموقف من الاتحاد الأفريقي كان حاضرا على طاولة زيارة البرهان إلى أسمرة، حيث أن للأزمة السودانية تداعيات مباشرة على دول الجوار، ولا يمكن التعامل مع مواقف وزارة الخارجية، التي وصفها بـ”العبثية”، بالمنطق والجدية فيما طرحته من بيانات حادة، خاصة أنه جرى تثمين دور الاتحاد الأفريقي كجزء من الآلية الثلاثية التي تضم معه البعثة الأممية وإيغاد.
وتعد إريتريا إحدى دول الجوار المهمة بالنسبة إلى قائد الجيش الذي يعتقد أن من مصلحته أن يكسبها في صفه بعد أن استقر به الحال في منطقة شرق السودان القريبة من حدودها وبها تداخل في الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية.
ويدرك البرهان أن أي تململ أو معارضة من جانب أسمرة بشأن الموقف الحالي من الحرب ستكون لهما تداعيات سلبية على موقفه المرتبك من تطوراتها في ظل تقارير أكدت أنه يقوم بالتنسيق مع قيادات في الحركة الإسلامية السودانية لها امتدادات مع نظيرتها الإريترية وخاضت حربا ضروسا ضد النظام الحاكم في أسمرة.
وأكد عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) محمد الهادي محمود أن البرهان اعتاد منذ خروجه من مقر القيادة العامة في الخرطوم أن يقوم بجولات في بعض الدول والمناطق في ولايات مختلفة، وخطاباته التي يوجهها إلى الجنود تختلف تمامًا عما يأتي في سياق زياراته الخارجية، ما يشير إلى أنه يحاول التعرف على الأوضاع وردود الفعل على تصوراته المتناقضة.
ولفت الهادي محمود في تصريح لـ”العرب” إلى أن “سلطة الأمر الواقع في السودان ستجد نفسها مرغمة على السلام، لكن البرهان يحاول الحصول على تطمينات من بعض دول الجوار التي يعتقد أنها قريبة منه بشأن مستقبله، وكأنه يريد التحرر من هيمنة المؤتمر الوطني ويراوغ لتهربه من العقاب على ما ارتكبه من جرائم في حق السودان”.
وذكر القيادي في قوى الحرية والتغيير أن مساعي البرهان لتحييد الاتحاد الأفريقي وإيغاد لن تؤثر في مشهد السلام، لأن أدوارهما فرعية، مقارنة بأدوار الولايات المتحدة والسعودية عبر منبر جدة، فضلا عن المساعي التي تقودها مصر في إطار منظومة دول الجوار.
وأوضح البرهان السبت أنه غير مسموح للاتحاد الأفريقي بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلاده، ملمحا إلى رفضه جهود السلام التي يقوم بها، وقال “ليس من المقبول سلام يعيدنا إلى ما قبل 15 أبريل”، في إشارة إلى اليوم الذي اندلع فيه القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وشدد الاتحاد الأفريقي على أنه يلتقي بكل الأطراف المدنية والعسكرية والاجتماعية بالسودان في إطار مساعيه لحل الأزمة بعد أن انتقدت وزارة الخارجية لقاء رئيس مفوضية الاتحاد محمد فكي مع يوسف عزت المستشار السياسي لقائد الدعم السريع.
ووجه البرهان إلى إيغاد اتهامات مماثلة، قال فيها “لو انحرفت المنظمة عن مسارها فنحن كسودانيين قادرون على حل مشاكلنا دون الحاجة إلى أحد”. وخلا بيان أصدرته إيغاد عقب اجتماع عقدته اللجنة الرباعية في نيروبي الأربعاء من أي إشارة إلى حكومة السودان أو التشاور معها والحصول على موافقتها في الخطوات التي تنوي اتخاذها بخصوص الأزمة السودانية، وهو ما اعتبرته وزارة الخارجية “انتقاصا واضحا ومرفوضا لسيادة السودان”.
المصدر: العرب