في الوقت الذي تواجه فيه قوات الاحتلال جملة من التحديات الأمنية والعسكرية، فإنها تبذل جهودا استخباراتية لإحباط المحاولات الفلسطينية لتنفيذ المزيد من العمليات الفدائية في الضفة الغربية، مع وجود اعتراف إسرائيلي مفاده أنه لا يمكن لهذه الجهود أن تنجح إن بقيت في المجال العسكري، لا سيما أن العملية الأخيرة التي أسفرت عن مقتل مستوطن تشكل أحد مظاهر محدودية القوة الإسرائيلية.
الجنرال يوسي كوبرفاسر الرئيس السابق لشعبة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، أشار إلى أن “جوهر الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية يكمن في تنفيذ المزيد من الجهود الاستخباراتية والعملياتية المستمرة، وتتجلى في غزوات قصيرة للمدن الفلسطينية لاستهداف البنية التحتية للمقاومة حتى قبل أن يخرج المسلحون لتنفيذ عملياتهم، والقبض على المنفذين إن تمكنوا من تنفيذها، بما في ذلك اعتقال المئات منهم، وإحباط عشرات العمليات، والتنفيذ بشكل دؤوب لسياسة هدم المنازل بزعم أنها تخلق قوة ردع”.
وأضاف في مقال نشره موقع القناة 12، وترجمته “عربي21” أنه “منذ بداية 2023 قتل 23 مستوطنا وجندياً، ولدراسة إمكانية تبني سياسة مختلفة، فإنه يجب فهم دوافع العناصر المسلحة، والتعرف على خياراتهم الإضافية التي لم يتم استخدامها حتى الآن، بما في ذلك النضال المتجذر في الشباب الفلسطيني عبر أنظمة التعليم والإعلام والثقافة بكل مكوناتها، والاستعداد لقتل الإسرائيليين انطلاقا من فهم المجتمع الفلسطيني بأنه عمل جدير بالتقدير، وتعبيرا عن الغضب من السياسات الإسرائيلية والتجاهل الدولي والعربي لمطالبهم”.
واتهم “سلطات الاحتلال بعدم اتباع عدة إجراءات ممكنة تهدف لتغيير سلوك الفلسطينيين، وتقليل عدد القتلى الإسرائيليين، بما في ذلك تعزيز قوات الجيش في المنطقة (ج) بما يسمح بحماية أكثر كثافة، وتزويد نقاط التفتيش بالجنود، وعدم التمسك بالتزامها بالحفاظ على السلطة الفلسطينية، بزعم أن ذلك يضر بالتعاون الأمني معها، أو حتى انهيارها، وحظر دخول فلسطينيي48 إلى الضفة الغربية، والنشاط المستمر في عمق أراضيها لأسباب عملية، ما يؤكد أن العلاجات التي تمت تجربتها حتى الآن لمواجهة المقاومة ليست كافية”.
في المقابل، زعم الجنرال غرشون هاكوهين قائد الكلية العسكرية الأسبق أن “استمرار العمليات الفلسطينية يحطّم كل الآمال الزائفة بأن الانسحاب من الأراضي سيلغي الدافع لمواصلة القتال، وإذا كنا لا نريد أن يصبح التهديد من إسرائيل تهديدًا وجوديًا لها، فيجب ألا نكرر هذا الخطأ بأي انسحاب من الضفة الغربية، ما يعيد للأذهان اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000، ما أوجد ظروفا معقدة واجهها الجيش الإسرائيلي في تلك الأيام على جبهتي غزة والضفة”.
وأضاف في مقال نشره موقع القناة 12، وترجمته “عربي21” أن “النموذج العملياتي الذي تتبناه حماس بالكامل في الأراضي الفلسطينية يشبه ما انتهجه حزب الله في الجنوب اللبناني عقب الانسحاب منه، ما أصبح تحديًا معقدًا للجيش الإسرائيلي. وفي ظل هذه الظروف، فإن أي تفكير في انسحاب آخر من الأراضي المحتلة هو وصفة مثبتة لفقدان قدرة الجيش الإسرائيلي على الدفاع عن الدولة”.
واضح أن التشاؤم الإسرائيلي بالفشل بوقف عمليات المقاومة ناجم عن الواقع الأمني الناشئ شمال الضفة الغربية، لأنه يمثل تحدياً للسلطة والاحتلال على حد سواء، والخشية الإسرائيلية من أن تصل العمليات إلى الداخل المحتل نفسه، وفي ظل ما يوصف بـ”عجز” السلطة الفلسطينية الذي أسفر عن نشوء المجموعات العسكرية، وبالتالي فإن نفاد الوقت لدى الاحتلال، وتردده، قد يفسره الفلسطينيون على الأرض بأنه ضعف، وأن يديه مقيدتان، وأن شعور الفلسطينيين بالنشوة والإنجاز لديهم يشجعهم على المزيد من الهجمات.
المصدر: عربي21