أخبار السودان:
بعد ٦٥ سنة من الاستقلال ها هي بلادنا تقبع في الحضيض ضمن دول العالم الثالث، سميت بدول العالم الثالث لانطباق عدة صفات عليها هي: الفقر، ارتفاع عدد المواليد والسكان في وسط فقير، ارتفاع عدد الوفيات الناتجة عن تفشي الأوبئة والأمراض، الاعتماد على المنح والدعم من الدول الأخرى الكبرى، البعد عن النشاط الصناعي المنتج والعيش على النشاط الرعوي، عدم الاستقرار السياسي وغياب الكفاءات والخبرات، تفشي الأمية وشيوع الهجرة إلى المدن، تضخم الديون وارتفاعها والافتقار إلى الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، اللجوء إلى تصدير المواد الخام الأولية الموجودة في اراضيها، وضعف المبادرة والمثابرة في السكان.
وجودنا في حضيض العالم الثالث يصنفنا دولة فاشلة ومتخلفة، يهدد امالنا المستقبلية في الحياة الكريمة، يشوه تكويننا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ويجعلنا كلما وقفنا عدنا مجددا للسقوط يجرنا ثقل هذه الصفات لأسفل، لذلك التخلص من هذه الصفات السالبة هو العمل الذي ينتظرنا، وهو عمل يجب أن يساهم فيه الجميع، كل سوداني في اي بقعة من تراب الوطن او خارجه عليه أن يضلع بدور في هذا الخروج، لا يجب ان تترك الأدوار حصرا على الحكومة والسياسيين، بل يجب ان يضطلع بها الجميع، سياسيين وغير سياسيين، حزبيين ومستقلين، متعلمين واميين، مهاجرين ومقيمين داخل الوطن، رجالا ونساءا، شيبا وشبابا. كما ساهم الجميع بدور في الثورة فنجحت، فإن نجاحنا في الخروج من الحضيض كذلك يحتاج مساهمة الجميع.
الحكومة ليس مطلوب منها ان تقوم بكل الأدوار لوحدها، تخطيء حكومة الثورة إن حاولت احتكار كل شيء، انتهى عهد الحكومات والرجال السوبرمان، وجاء عهد العمل المشترك والفعل الجماعي ونشاط الفريق، دور الحكومة المطلوب هو أن تبتكر وتخلق المواعين من اجل طاقات الجماهير المتحفزة للعمل من أجل الوطن، نظرة واحدة إلى اجتهاد المغتربين في أمر التحويلات يثبت للحكومة حقيقة أن عليها ان تفتح النوافذ، أن تخلق الفرص، وتترك الباقي على الشعب، وسترى العجب العجاب من التدافع الوطني، فهذا الشعب ليس هو الشعب قبل ثورة ديسمبر.
ثورة التحويلات المالية جعلت المغترب العادي يشعر لأول مرة منذ ٣٠ سنة بانه شخصية مهمة ولها وزن وتأثير وقدرة على التغيير في مصير الوطن، هذا الوزن اكتسبه بالوعي الناتج عن الثورة، فالثورة طورت الوعي السياسي والمجتمعي لدى جميع السودانيين داخل وخارج الوطن، طيف واسع من السودانيات والسودانيين لم يكن من ضمن اهتماماتهم على الإطلاق الأمور السياسية وقضايا الحكم، ولكنهم الآن اصبحوا على درجة عالية من الوعي السياسي والفهم المتعلق بقضايا الحقوق و الحريات والاقتصاد، لقد حدث تحول دارماتيكي في وعي الناس، ويجب أن تستفيد الحكومة منه، فهذا الذي يحدث يشبه تماما مخاض ميلاد أمة عظيمة لا يجب أن تظل في حضيض العالم الثالث.