تتزايد مصاعب القطاع الصناعي يوماً بعد آخر، ووفق بعض الإحصائيات أن المصانع المتوقفة أكثر من العاملة، وأن المصانع الآن تعمل بطاقة إنتاجية لا تتعدى 20 أو 30%، خاصة أن القطاع الصناعي ما زال في حالة تدهور هذا منذ سنوات ونجد أن بعض الاقتصاديين، يرون أن السياسات الحكومية بشكل عام تحارب الإنتاج وتضع العراقيل أمام أي إنتاج سواءً أكان صناعي أو زراعي ومجمل السياسات الاقتصادية للحكومة في صالح الاستيراد، وينظر آخرون إلى أن إفادة الاتحاد بأن المعروض من المصانع أعلى من المعروض من المنازل، إلى أنها إشارة خطيرة للغاية بسبب السرعة المرتفعة التي يندثر بها القطاع الصناعي بالاقتصاد السوداني بالمقارنة مع القطاعات الأخرى.
مصانع للبيع
وكان اتحاد الغرف الصناعية كشف أن المصانع المعروضة للبيع أكثر من المنازل بسبب عدم ثبات السياسات التمويلية والتكلفة العالية وتعدد النيابات في المحليات، ودقوا ناقوس الخطر من تدهور القطاع الصناعي، محذِّرين من توقف النشاط الصناعي، مشيرين إلى أن نسبة المصانع المعروضة للبيع الآن تجاوزت نسبة عرض المنازل للبيع بسبب تذبذب التيار الكهربائي وتغيير السياسات والخطط، وصوَّب مختصون في القطاع الصناعي انتقادات لاذعة على الخطط والسياسات الخاطئة للقائمين على أمر القطاع وسط غياب المعلومات وعدم تحديث قاعدة البيانات والمسح الصناعي منذ العام 2005 بجانب التضارب فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات مع تعدد الرسوم وتذبذب التيار الكهربائي مما يؤدي إلى تدهور الإنتاج.
خطة إسعافية
الأمين العام السابق لاتحاد الغرف الصناعية، أشرف صلاح نور الدين، يرى أن النسب غير حديثة خاصة أن المصانع المتوقفة الآن حجمها كبير وبالتالي كل يوم جديد تتوقف عدد من المصانع، ورجح أن تكون النسبة أعلى من المذكورة بكثير، وقال إن المصانع الآن تعمل بطاقة إنتاجية لا تتعدى 20 أو 30%، وتابع إن القطاع الصناعي ظل في حالة تدهور منذ سنوات سابقة، ويعتقد أن هذا التدهور وصل إلى مرحلة التهاوي بصورة متسارعة، ومضى بالقول إن هذا التهاوي مرتبط بالاقتصاد الوطني الذي صار إلى وشك الإنهيار الكلي، ونوَّه إلى أن الاقتصاد محاط بمجموعة مشاكل منها العجز المتفاقم بجانب تردي الإنتاج الزراعي بشقيه والصناعي والخدمي إضافة إلى تدني قيمة العملة المحلية وبعض الصادرات، مشيراً إلى غيرها من الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الكلي، وتابع قائلاً: لا أعتقد أن القطاعات الاقتصادية ولا سيما القطاع الصناعي أن يستطيع أن يتجاوز التدهور الماثل في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، معرباً عن آمله أن تشهد المرحلة القادمة استقراراً سياسياً، متمنياً أن تكون هناك حكومة قوية قادرة على وضع خطة إسعافية للقطاع الصناعي في البلاد.
عزف المصانع السودانية
بينما يرى المحلِّل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان محجوب، أن السياسات الحكومية بشكل عام تحارب الإنتاج وتضع العراقيل أمام أي إنتاج سواءً أكان صناعياً أو زراعياً، وأوضح أن الحكومة لا تتبنى أي خطط لدعم وتطوير الإنتاج الزراعي والصناعي والربط بينهما ومجمل السياسات الاقتصادية للحكومة في صالح الاستيراد، ولفت إلى ذلك تعزف المصانع السودانية عن استخدام الخام السوداني وتكتفي باستيراد المركزات جاهزة وتقوم فقط بتعبئتها ولا تهتم بتنسيق الإنتاج الزراعي والصناعي بما يتناسب الحاجة المحلية وحاجة الأسواق الإقليمية والعالمية.
برامج التطوير
وقال إن السياسات النقدية الانكماشية التي تبنتها وزارة المالية وبنك السودان جاءت بغرض خفض التضخم والتي نجحت في تخفيض التضخم من 426% إلى 63.3%، ويعتقد أنها تسببت في إغلاق المصانع وتسريح العمال وإفلاس الكثير من رجال الأعمال السودانيين، ويرى أن الحكومة عبر تنفيذ خطة صندوق النقد الدولي لتخفيض التضخم وإنهاء الدعم السلعي نجحت في الحفاظ على سعر الصرف للجنيه السوداني وخفضت التضخم وهذا أمر جيِّد، في الوقت نفسه أعاب الحكومة لعدم تبني سياسات داعمة للصناعة الوطنية وغياب برامج تطوير الصناعة والخطط والتمويل الذي يربط بين الزراعة والصناعة، مبيِّناً أنها تسببت في عدم تطور الصناعة مما جعلت البلاد مجرَّد منتج للخام وحتى هذا ينتج دون رعاية حكومية لتطويره.
معاقبة الصناعة
وجاءت خلاصة حديث د. الفاتح أن لتطوير الصناعة لابد من سياسات حكومية مختلفة تماماً عن السياسات الحالية، وطالب بسياسات تخدم تطوير الصناعة وتراعي لها وليس سياسات لا تهتم بغير الجباية وتعمل على معاقبة أهل الصناعة بشتى السبل كما هو الحال الآن، ويرى أن الحل العاجل إيقاف السياسات النقدية الانكماشية، وأوضح لأنها بعد أن أدت غرضها بنجاح تحوَّلت إلى أداة لخنق الاقتصاد القومي، ولذلك يجب التخلي عنها والعمل على تحريك الاقتصاد السوداني فوراً.
التآكل الاقتصادي
المحلِّل الاقتصادي الدكتور، وائل فهمي البدوي، قال بالتأكيد حديث الغرف الصناعية عن ارتفاع التكاليف للقطاع الصناعي هو حديث تم توقعه والتحذير من هذه النتائج المؤسفة للغاية بسبب نيوليبرالية تلك السياسات الاقتصادية التضخمية التي تؤدي إلى الركود، مشيراً إلى أوضاع عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغياب معلومات المسوحات الإحصائية والقياسية، خاصة خلال هذه الفترة الانتقالية التي طال أمدها، وذلك منذ بداية فترة حكم د. عبدالله حمدوك، د. وائل قال إن إشارة الاتحاد التي تفيد بأن المعروض من المصانع أعلى من المعروض من المنازل، معتبراً أنها إشارة خطيرة للغاية بسبب السرعة المرتفعة التي يندثر بها القطاع الصناعي بالاقتصاد السوداني بالمقارنة مع القطاعات الأخرى، وتابع هذا ما يعني أن القيمة المضافة التي كانت تحققها الصناعة في ارتباطها بالضرائب غير المباشرة والرسوم والعوائد، قد دخلت عملياً مرحلة التآكل للاقتصاد، نتيجة للانكماش الكلي، ومن ثم الخزينة العامة إلى جانب تآكل فرص العمل والإدخارات القومية التي كانت يوفرها هذا القطاع، وأبان أن هذه نتائج طبيعية لسياسات رفع الدعم وارتفاع تكاليف الطاقة بجانب عدم انتظام توفرها بالكميات والجودة المطلوبة لدعم منافستها داخلياً وخارجياً.
وتابع: بالنسبة للحلول الممكنة لإيقاف اندثار القطاع الصناعي بالسرعة المشار إليها من قبل اتحاد الغرف الصناعية، وهنا دعا وزارة الصناعة إلى أن تبدأ في القيام بدورها في حماية الصناعة الوطنية بالتعاون مع كل وزارة المالية والبنك المركزي وخاصة العدل فيما يتعلق بتضارب القوانين والتشريعات بما يؤدي إلى تخفيض تكاليف إنتاجها، خاصة تلك المرتبطة بمشاريع القطاعات الأخرى، وشدَّد على ضرورة منافسة الواردات لتخفيض العجز الخارجي كأبسط الأهداف التقليدية.
المصدر: الصيحة